الكل محرج في دائرة بيروت الأولى؛ الأحزاب المسيحية التي تعتدّ بقوتها في باقي المناطق وتتحدث عن تأمين أكثر من حاصل انتخابي وحدها، اصطدمت بهشاشتها في بيروت. فمن كان يقول «إن الأشرفية قوات»، اقتنع بأن القوات غير قادرة على إنجاح نائب برصيدها السياسي ورصيد مرشحها الشخصي. ومن كان يعتبر «أن الأشرفية صنعت البشير»، وجد ابن بشير الجميل يقوم بمجهود استثنائي لتأليف لائحة يستفيد من أصواتها لضمان فوزه.
وفيما كان العونيون يسرحون ويمرحون في ملعب بيروت لسنوات، وجدوا أنهم بالكاد يستطيعون الفوز بمقعد واحد فيها. لذا قد تكون هذه الدائرة مقبرة الأحزاب، على الرغم من كون الحاصل الانتخابي فيها من أدنى المعدلات في لبنان ولا يتعدى السبعة آلاف صوت.
هكذا، بدأ الجميع ينسج تحالفات ضمنية مع مستقلين لرفع حاصل لائحته، فاختارت القوات التحالف مع ميشال فرعون، والكتائب مع رجل الأعمال نبيل صحناوي، والتيار الوطني الحر مع المرشح الماروني مسعود الأشقر. إلا أن ذلك لا يعني أن التحالفات النهائية حسمت، إذ إن المفاوضات تستمر بين التيار الوطني الحر والمستقبل من جهة، وبين القوات والكتائب وفرعون من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يؤكد نائب رئيس التيار الوطني الحر نقولا صحناوي لـ»الاخبار» أن الحلف مع الطاشناق ومسعود الأشقر محسوم، والتفاوض قائم مع تيار المستقبل ويحكمه جو إيجابي. أما الاتجاه السياسي، فهو «الذهاب الى معركة، وماكينات التيار باتت جاهزة». وتقول مصادر العونيين إن فكرة تحييد الأشرفية مستبعدة.
وفق المصادر نفسها، إذا حصل الاتفاق مع المستقبل، فإن اللائحة ستضم كلاً من: نقولا صحناوي (تيار وطني حر- كاثوليك)، مسعود الأشقر (ماروني متحالف مع التيار)، العميد أنطوان بانو (تيار وطني حر- أقليات)، نقولا شماس (أرثوذكسي مقرب من العونيين والمستقبل، على أن ينضم الى تكتل التغيير والإصلاح في حال فوزه)، جان أوغسبيان (تيار مستقبل ــ أرمن أرثوذكس) و3 أسماء طاشناق (2 أرمن أرثوذكس و1 كاثوليك).

تخيير الناخب
بين نجاح مرشح القوات أو ابن بشير سيكون لمصلحة الثاني



فرعون: نيابتي ليست منّة من أحد

مع إقرار القانون النسبي والتغيير الذي طرأ على الدوائر الانتخابية، ضمت منطقة المدور الى الأشرفية والرميل والصيفي ليرتفع عدد المقاعد في بيروت الأولى من 5 مقاعد الى 8 بعد نقل المقعدين الأرمنيين (1 أرثوذكس و1 كاثوليك) ومقعد الأقليات من بيروت الثانية الى الأولى... فأصبحت الخريطة النيابية على الشكل الآتي: 1 ماروني، 1 كاثوليكي، 1 أرثوذكسي، 1 أقليات، 3 أرمن أرثوذكس و1 أرمن كاثوليك. وتعتبر هذه الدائرة الوحيدة في كون أكثر من نصف مقاعدها تتوزع بين مقعد لكل طائفة، وهو ما يصعّب الائتلاف بين الأحزاب بسبب صعوبة التوافق على مرشح واحد للمقعد المفترض وعدم استعداد أي طرف للتنازل عن مرشحه لمصلحة مرشح الطرف الآخر. رغم ذلك، جرى الحديث عن مبادرة ائتلافية بين جميع الأحزاب بمبادرة من الوزير فرعون، لكن الأخير ينفي لـ»الأخبار» ما تمّ تداوله، مؤكداً عدم تكليف أي جهة له كما حصل في الانتخابات البلدية عام 2016. كل ما قام به أخيراً لا يتعدى «جولة أفق سياسية على أحزاب وقوى الأشرفية في إطار الانفتاح على الجميع ومحاولة فهم خيارات الأحزاب السياسية وتوجهاتها». تحالف فرعون ثابت مع القوات اللبنانية، وتوجههما الطبيعي على ما يقول هو «المعركة الانتخابية». يضيف: من جهتي، لم ألمس أي إرادة للتوافق ولا أعرف أيضاً إن كان اتفاق معراب لا يزال قائماً ولا يمكنني القيام بمبادرة لأن حسابات الأحزاب لا تقتصر على الأشرفية، بل على كل لبنان». في المقابل، هناك من يقول إن فرعون سمع من رئيس الجمهورية ميشال عون كلاماً مفاده أن عليه الاختيار بين النيابة والوزارة، الأمر الذي لا يؤكده أو ينفيه فرعون، ويؤكد أنه فاز بالنيابة من خلال معركة قاسية «ولم تكن منّة من أحد».

الجميل: لا لائتلاف يغطي حزب الله

يرى النائب نديم الجميل في الائتلاف «ضربة لعصب الأشرفية وهو ما أرفضه قطعاً، فالأشرفية وفيّة لمبادئها وثوابتها». ويقول لـ»الأخبار» إن المعركة اليوم سياسية، وهناك «صراع على الأفكار الوطنية والسيادية. لذلك من المستحيل الجمع بين فريقين متناقضين». يضيف أن أي تعاون مع الفريق الذي يغطي سلاح حزب الله، «يكون تشريعاً لهذا السلاح». برأيه، عنوان البرلمان النيابي المقبل سيكون «تشريع سلاح حزب الله غير الشرعي أو لا»، لذلك يرفض المبادرة الائتلافية التي يقوم بها البعض (تقضي المبادرة بترشيح اثنين من القوات قد يكون فرعون أحدهما، واثنين من التيار الحر وثلاثة مرشحين للطاشناق ومرشح أرمني رابع لتيار المستقبل). من جهة أخرى، يؤكد النائب الكتائبي أن تحالفه ثابت مع أنطون صحناوي وهو منفتح أيضاً على المجتمع المدني والعائلات، ويؤيد قيام لائحة لقوى 14 آذار «لأن تقسيم الأصوات في لوائح متعددة قد ينتهي إلى عدم حصول أي منها على الحاصل، وضياع هذه الأصوات سدى». وحول ما يتردد عن لائحة تجمعه بابنة جبران تويني (ميشال) والمرشح الكاثوليكي دافيد عيسى ومرشح نبيل صحناوي العميد المتقاعد جان تالوزيان، يجيب بأن المفاوضات قائمة مع الجميع. وتشير مصادر كتائبية الى أن تجربة النائبة نايلة تويني السيئة ستصعب الأمر على شقيقتها ميشال، وهو ما دفع الكتائبيين الى الاحتفاظ بمرشحة أرثوذكسية تدعى كارول بابيكيان كوكوني وهي رئيسة مبادرة «الأشرفية 2020». كما أن لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مرشحاً عن الأرمن الأرثوذكس هو أحد مستشاريه ألبير كوشستانيان.

القوات VS ابن بشير

أما القوات اللبنانية، فلا ترى أنها صاحبة مصلحة بلائحة تضم قوى 14 آذار لأنها لن تضمن الفوز إلا بحاصل يعطيها مقعدين، وعندها من المرجح خسارة المرشح القواتي الأرثوذكسي عماد واكيم، لأن تخيير الناخب بين إنجاح ابن بشير (نديم) أو أي مرشح آخر، سينتهي بصب الأصوات التفضيلية لمصلحة نديم الجميل. ما عدا ذلك، «حان الوقت لغربلة جمهورَي الكتائب والقوات وحسم عدد ناخبي الفريقين اللذين لطالما تداخلا في السابق مع غياب أي مرشح للقوات والتوافق حول الجميل» تقول مصادر قواتية.
من ناحية أخرى، تتقاطع مصادر مقربة من نبيل صحناوي والقوات في تأكيدها أن مفاوضات جدية جرت بين الاثنين لتوحيد اللائحة، على أن تسحب القوات مرشح الأرمن الكاثوليك ريشار قيومجيان لمصلحة جان تالوزيان وتحتفظ بمرشحها الأرثوذكسي عماد واكيم. إلا أن شرط صحناوي الرئيسي تمثل باستبعاد فرعون واستبداله بدافيد عيسى. وقد وصلت المفاوضات الى قبول صحناوي التخلي عن عيسى، شرط العثور على كاثوليكي ثالث غير ميشال فرعون. وعلى ذمة المصادر نفسها، من الممكن أن تثمر المفاوضات إذا أعلن فرعون عزوفه عن الترشح بنفسه، وبالتالي، دعم ترشيح مدير مكتبه سيبوه مخجيان عن مقعد الأرمن الأرثوذكس عوضاً عنه.





مفتاح الأرثوذكس بيد المطران

لطالما كان مفتاح كبرى العائلات الأرثوذكسية في منطقة الأشرفية بيد المطران الياس عودة. في عام 2009 خاض عودة معركة النائبة نايلة تويني الانتخابية. التعبير عن خيبة المطرانية بتجربة تويني يأتي بالتأكيد أن عودة ينتظر جلاء المفاوضات والتحالفات حتى يقرر موقفه النهائي، وبالتالي لن يقدم مرشحاً على آخر على غرار ما فعل مع نايلة تويني، والكلام لمقربين منه. الأهم «أن يكون الأرثوذكسي بيروتياً، لا مستورداً من خارج المنطقة». هل يعني ذلك أن عودة يعارض ترشيح القواتي عماد واكيم الذي ينحدر من خارج بيروت؟، يجيب المقرّبون من عودة أن رغبة المطران تقتضي أن تتمثل عائلات بيروت الرئيسية بمرشح بيروتي، إلا إذا تبيّن أن لا وجود لهكذا شخصيات، «عندها نستعيض عنها بمرشحين من خارج العاصمة».