منذ اندلاع أزمة مرسوم الأقدمية لـ«دورة 1994» بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، كان ذلك محطّ اهتمام السفارات الغربيّة. فالصراع بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب يمهّد، في رأي هذه السفارات، لخلاف بين عون وحزب الله مستقبلاً، رغم ادعاءاتها الحرص على الاستقرار، إذ إن خلافاً كهذا هو «أفضل» طريقة لحصار حزب الله، وتعريته من حلفائه، المسيحيين منهم تحديداً.
فَهِم الغربيون على مدى السنوات الماضية أن اللعب على الوتر السنّي ــــ الشيعي في لبنان استنزف أغراضه. فلا الرئيس سعد الحريري يستطيع الصمود أمام المدّ التكفيري عندما يرفع سقف خطابه المذهبي، ولا حزب الله سيضعُف. بل على العكس، تزداد قوّة الحزب في شارعه، وفي شوارع حلفائه وأخصامه، بتحوّله إلى الجدار السياسي والعسكري الذي يحصّن لبنان من التكفير، كما أثبتت الحرب السورية.
في المقابل، يحرص حزب الله، وهذا ليس سرّاً، على الحريري ودوره، كما على أدوار الآخرين وحيثياتهم السياسية، طالما أن ألف باء الاستقرار اللبناني هو التوازن بين «الحيثيات» والحفاظ على أدوار الجميع تحت سقف تجاذب سياسي «مقبول»، لا يهدّد الاستقرار الأهلي والأمني.
وهو يحرص، أيضاً، على نيل الحريري والتيار الوطني الحرّ كتلة نيابية معتبرة لكلّ منهما في الانتخابات النيابية المقبلة، ويتفهّم حرصهما على التحالف. فمن جهة، يتحرّر الحريري والوزير جبران باسيل، أمام القوى الغربية والمملكة السعوديّة، من اتهامهما بـ«الالتصاق» بالحزب، خصوصاً بعدما خلقت أزمة الحريري مع السعودية فريقاً داخلياً مكوّناً من عون وبري وحزب الله، «أنقذ» رئيس الحكومة من «ريتز كارلتون»، وأجبر الدول الغربية على ممارسة الضغط على السعودية. ومن جهة أخرى، يضمن حزب الله أن فوز الحريري وباسيل يُحجّم دور حزب القوات اللبنانية ووزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي. وهذه السرديّة، بالمناسبة، هي ما يستند إليه الحريري وباسيل في تبرير تحالفهما المتوقّع أمام حزب الله، في وجه تحالف قوى 8 آذار في أكثر من دائرة، لتبرير اللهجة العالية السقف المفتعلة أحياناً ضد برّي، في ظلّ تفكّك الخطاب الانتخابي الذي تسلّح به الرجلان في معركتي 2005 و2009 الانتخابيتين.
إلّا أن التسريبات التي خرجت عن لسان باسيل أخيراً بحق رئيس المجلس النيابي أخرجت الأمور عن حدّها المقبول، وهدّدت بانهيار التسويات والسقوف المرسومة للتجاذب السياسي/ الانتخابي. وهو ما دفع بحزب الله إلى التحرّك سريعاً لإعادة ضبط الأمور، حتى لا تتحوّل الحاجة إلى شعارات انتخابية سبباً لانقسام خطير.