بدأت القصة مطلع عام ٢٠١٧. كان ضباط فرع المعلومات قد أنجزوا استعداداتهم لتنفيذ هجوم استباقي على تنظيم «داعش»، بعد أن وضعت قيادة الأخير نُصب عينيها الانتقام من لبنان جراء الضربات الأمنية التي ألحقتها الأجهزة الأمنية اللبنانية بخلايا التنظيم على مدى الأعوام الأخيرة.
كانت المعطيات الأمنية لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية تفيد بأنّ القرار بضرب لبنان من قبل التنظيمات المتشددة متّخذ، لكن ما يعوقه الصعوبات اللوجستية والضربات الأمنية المتكررة التي كسرت البنية التنظيمية للخلايا النائمة. وبعد دراسة فرع المعلومات لخريطة عمل التنظيم على الساحة اللبنانية، كما كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق في المؤتمر الصحافي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أمس، بادر هذه المرة فرع المعلومات بالهجوم المضاد. أخضع مخبراً لدورات أمنية وشرعية مكثّفة ثم استخدمه لاختراق صفوف التنظيم. ولنيل الثقة، سافر المخبر مرتين إلى تركيا ليلتقي قيادات من «داعش». وهناك خضع لدورات أمنية وتفجير واستخدام التطبيقات الأمنة. كذلك اجتمع بمسؤول الساحة اللبنانية على الحدود التركية ـــ العراقية. وكُلّف العودة إلى لبنان لتهيئة الأرضية للعمل الأمني. بدأ التواصل الآمن مع قيادي آخر يعرف بـ«أبو جعفر العراقي». استمرت الاتصالات طوال أشهر قبل أن يُستخدَم المخبر كـ«طعم لاستدراج» القيادي المذكور من العراق إلى لبنان. استقبل مخبر فرع المعلومات موفد «الدولة الإسلامية» في مطار بيروت. ومن هناك نقله إلى شقة مستأجرة جرى تجهيزها بأجهزة اتصال ومراقبة. مكث أبو جعفر مدة أسبوع في لبنان، اجتمع خلالها عشرات المرات بالمخبر. كان في كلّ جلسة يحكي له عن رغبة قيادة التنظيم بتنفيذ ضربات موجعة ضد الدولة اللبنانية وحكى له عن الإحباط الحاصل نتيجة الفشل المتكرر الذي مُنيت به الذراع الأمنية للتنظيم على الساحة اللبنانية. وقد برز كلام القيادي قبل توقيفه إذ قال: «إن العمل في لبنان صفر». وهذا يعود فضله إلى عمل الأجهزة الأمنية الدؤوب. وقد وُثِّقَت جميع هذه اللقاءات بالصوت والصورة. كذلك التقى «أبو جعفر» خلال وجوده في لبنان بأحد العناصر الأمنيين للتنظيم في البقاع قبل أن يقُرر المغادرة إلى العراق ليستأنف التنسيق للمضي بالعمل الأمني. هنا كانت قيادة فرع المعلومات أمام حدث مفصلي. هل تغامر بترك هدفها يغادر لبنان على أمل أن يعود جراء الثقة التي تم بناؤها، أو تُطبق الخناق عليه درءاً لأي طارئ قد يؤدي إلى إفلاته من أيدي ضباطها وعناصرها. اتُّخذ القرار بالإمساك به في داخل مطار بيروت بسرية مطلقة كي لا تفشل العملية، لكن الصورة كانت واضحة لدى أصحاب القرار. لن يعرف أحد بالقصة، وسيكون الطُّعم الذي سيُستخدم لاستدراج آخرين وإفشال المخطط الإرهابي، ولا سيما أنّ الموقوف مكلّف بناء هيكلية لعمل الخلايا الأمنية. وبالفعل هكذا كان. أقام أبو جعفر البغدادي خمسة أشهر في ضيافة فرع المعلومات في المقرّ العام. كان يتواصل مع عائلته وأصدقائه باستمرار كي لا يلاحظ أحدٌ توقيفه. حتى أن أصدقاءه في الموصل كان يبلغونه أنهم سيأتون لزيارته جرّاء سوء الوضع لديهم، ثم يعتذرون في اللحظة الأخيرة. كذلك كان الاتصال مستمراً مع المشغّلين الأمنيين في العراق. أحياناً كان هذا الاتصال ينقطع لمدة ٢٥ يوماً، إلّا أنّ صبر ضباط الفرع لم ينفد. لم تعرف قيادة التنظيم أن موفدها مسجون طوال خمسة أشهر، حيث كان يحادثهم بنحو طبيعي ووفق التعليمات الموضوعة، خصوصاً بعد الخسارة التي مُني بها التنظيم في العراق وسوريا.

كان الهدف القيام بتفجيرات في بيروت ليلة رأس السنة



على عجل، أُعلن مساء أول من أمس عقد مؤتمر صحافي لوزير الداخلية. لم يُعلن السبب، لكن الظروف كانت توحي بأنّ طارئاً قد حصل. سُرِّبت بعض المعلومات التي تفيد بأنّ الوزير سيكشف عن إنجازٍ أمني حققه فرع المعلومات، لكن التفاصيل بقيت مجهولة. جُهِّزت شاشة كبيرة بحضور حشد من الصحافيين وضباط المديرية ليبدأ المشنوق مؤتمره بالكشف عن «عملية لبنان الآمن»، كما سمّاها. اختار الوزير هذا الاسم لتأكيد استقرار الوضع الامني وأن الأمر للأجهزة الأمنية التي برهنت عن درجة احتراف عالية. عُرِض بعدها تسجيل مصوّر مدته قرابة ٢٥ دقيقة سُرِدت فيه مراحل أربع مرّت بها العملية الأمنية. في العرض المصوّر، حرص فرع المعلومات، للمرة الأولى، على عرض مقاطع مصوّرة سُجِّلت سرّاً من خلال كاميرا خفيّة تُظهر القيادي في تنظيم الدولة الإسلامية يتحدث بأريحية عن مخطط ضرب لبنان. وكشفت التسجيلات التي عرضها فرع المعلومات أنّ التنظيم عرض إرسال أحزمة ناسفة وخبراء متفجرات. وكان المخطط القيام بسلسلة تفجيرات في ليلة رأس السنة. رفض المخبر والموقوف عرض تنظيم الدولة الإسلامية تسليمهما الأحزمة الناسفة في عين الحلوة، وطلبا تسلّمها في أماكن أكثر أماناً لإظهار حرصهم على عدم إفشال العملية جراء المخاطرة بالخروج على الحواجز الأمنية. وأوحى ضباط المعلومات لضابط الارتباط في التنظيم أنّهم باتوا مجموعة جاهزة لتنفيذ عمل أمني وأنّ بينهم انتحاريين، لكن مرّت ليلة رأس السنة بهدوء. هنا جُنّ جنون قيادة التنظيم، إلا أنّ المخبر والموقوف تذرّعا بصعوبات أمنية حالت دون التنفيذ. وبعد أن تيقن فرع المعلومات من أنّ قيادة التنظيم علمت بتوقيف موفدها، تقرر إعلان العملية.