أن تكون صحافيّاً، في جريدة، فيدّعي عليك القضاء نفسه، بنفسه، أمام نفسه، ثمّ لا تُبلّغ رسميّاً، ثمّ يُصدر حكماً غيابيّاً بحقّك، يقضي بسجنك ستّة أشهر وغرامة ماليّة، ثمّ لا يكون الحدث «قضيّة رأي عام»... فأنت لست مارسيل غانم. أن تستدعيك الاستخبارات، إلى فنجان قهوة، فتستحيل الدعوة احتجازاً، ثم يُضغط عليك لكشف «مصدر» معلوماتك، كصحافي، تنفيذاً لنزوة وزير، ثم لا يخرج وليد جنبلاط ليتضامن معك، ومع حريّة الرأي والتعبير، طبعاً، فأنت لست مارسيل غانم.
أن تدهم القوى الأمنيّة منزلك، بحثاً عنك، عن أشيائك، تُطاردك في الأمكنة، فتُصبح مضطراً إلى أن تُغير مساراتك، وذلك كلّه نتيجة لعملك الإعلامي، ثم لا تحتشد «الجماهير» مِن أجلك، أو، بالأحرى، مِن أجل «حريّة الصحافة» إيّاها، فأنت لست مارسيل غانم. أن تمثل أمام قاضي النيابة العامة، فيسألك، فتجيب، ثم يَطلب مِن الكاتب أن يدوّن غير ما قلت، فتعترض، فيهينك علناً، أمام الحاضرين، ويكون هذا «عاديّاً»... فأنت لست مارسيل غانم. أن تكشف «فضيحة» خلل قضائي، في قضيّة نفوذ، ثم يثبت، للقضاء نفسه، حقيقة ما كشفته، باعتراف وزير العدل، ثم بطريقة عجائبيّة يُحكم عليك بدفع الملايين كغرامة لأنّك قلت «شيئاً حقيقيّاً»... فأنت لست مارسيل غانم. أن تصدر بحقك مذكرة توقيف، على خلفيّة تغريدة «فيسبوكيّة» عابرة، عُدّت تحريضاً ضدّ عملاء إسرائيل، ثمّ لا تُستحضر الحريّة، كطفلة وحشيّة، في حملات تضامنيّة، فأنت لست مارسيل غانم. لن تُخضّ البلاد لأجلك، لن تُصبح حديث الساعة، لن تُصبح ضيف المتضامنين، لن يغضب لأجلك رئيس الحكومة، لن يتملّقك أحد، مِن النافذين، طمعاً باستضافة في البرنامج الأسبوعي الأشهر. لن تكون «زهرة ناريّة»... ولا حتّى «كبّة نيّة».
القضاء، على عادته، غير موفّق في أسباب استدعاء غانم. لا معنى الآن للاستعراض في التضامن معه. هذه بديهيّة لكلّ مَن يطمع بأن تظلّ الأصوات، على اختلافها، متاحة في هذه البلاد. لكن، وهنا المسألة، عندما يفشل أكثر المتضامنين في إظهار أن تضامنهم مع المبدأ، مع الحريات، يظهر نفاقهم «الحرّياتي». يظهرون كأنصار للشخص، أو ــ في حالات أخرى ــ كأنصار لما يخفيه هذا الشخص ولا يُرغَب في كشفه (يوماً ما). أين كانت أصواتهم عند كلّ «مفرمة» لصحافي أمام القضاء سابقاً؟ دعونا مِن الماضي، أين ستكون أصواتهم غداً، في الآتي مِن أحداث مع إعلاميين آخرين؟ مَن يُراهن مِن الآن؟ غانم إعلامي، صحيح، لكن هو شيء آخر بالإضافة. إعلامي «قوي». إعلامي أكثر نفوذاً مِن وزراء ونواب وزعماء. إعلامي لا يطمع بأن يُصبح وزيراً، لأنّ هذا المنصب لن يزيده نفوذاً، وهو القادر، لو أراد، أن «يُبهدل» وزيراً، وراء الكواليس، ويظلّ الأخير على وداعته، أملاً بألا تزيد «البهدلة» أو ألا تُفتَح ملفّاته. ليست المشكلة في غانم. إنّه ابن «كار» أجاد اللعب فيه. لا بأس، لكن هذا يجب أن يُقال. الأشياء كما هي. ليس غانم هو المسألة، اليوم، وغداً، ودائماً، إنّما هي في مَن هو ليس مارسيل غانم.