البلد مهدد بالظلام. وكأن التقنين المفروض على المواطنين لا يكفيهم، فأتاهم إضراب عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان ليزيد الأمور سوءاً. والأمر هنا لا يتعلّق حصراً بالذل المفروض على اللبنانيين بسبب عدم حصولهم على الطاقة بصورة منتظمة، في ظاهرة تضع لبنان في خانة إحدى أسوأ دول العالم لجهة انتظام الطاقة الكهربائية، ولا بتعطيل أعمالهم ولا بالحد من قدرتهم على الحصول على الماء وعلى التدفئة في المناطق الجبلية، بل يتعداه إلى كونه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى كثير من الذين يحتاجون إلى الكهرباء لتشغيل أجهزة طبية تبقيهم على قيد الحياة.
الإضراب يعطّل إصلاح أي عطل طارئ على المعامل أو الشبكة، ما يعني أن الأمور مرشحة إلى التفاقم، قريباً، وتهديد إدخال البلاد في الظلام الشامل. يضاف إلى ذلك غياب القدرة على تشغيل بعض المعامل، كمعملي صور وبعلبك، القادرَين على إضافة أكثر من ساعة تغذية يومياً لكل منشأة سكنية أو صناعية، كما أنه يمنع، بحسب بيان «كهرباء لبنان» أمس، تصليح المجموعة الثالثة في معمل الذوق الحراري وإجراء الصيانة اللازمة على المجموعة الثانية في المعمل، وهو ما كان سيضيف أكثر من ساعتين من الكهرباء لكل منزل. يُضاف إلى ما تقدّم أن الإضراب يحول دون الحصول على نحو 100 ميغاوات من سوريا (ساعة إضافية من الكهرباء يومياً). خلاصة الأمر أن سكان لبنان يفقدون أكثر 4 ساعات إضافية من الكهرباء يومياً. وفضلاً عن ذلك، تعاني مناطق الجنوب والبقاع وجبل لبنان والشمال من سوء توزيع الطاقة، ما يؤدي إلى انقطاعها عن مناطق لأيام متتالية.
المواطنون غاضبون، لكنهم لا يعبّرون عن غضبهم بصورة تسمح بالضغط على المسؤولين لإيجاد الحل اللازم للمعضلة التي يعانيها المواطنون. أقسى موجات الغضب شهدتها محافظة عكار أمس، جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي وحرمان المواطنين من الحصول على أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء. ولم تنفع كل الاتصالات التي أجرتها أكثر من جهة سياسية مع المسؤولين لإيجاد حل، الأمر الذي دفع المواطنين في مختلف بلدات عكار إلى الخروج عن صمتهم والنزول الى الشارع، يتقدمهم رؤساء بلديات واتحادات ساحل القيطع، ونفذوا اعتصاماً أمام محطة التحويل الرئيسية للكهرباء في حلبا، احتجاجاً على قطع الكهرباء عن جرد وساحل ووسط القيطع، ومدينة حلبا ومنطقة الشفت والمطالبة بتوصيل الكابل الذي يغذي المنطقة.

تبعات الإضراب تحرم اللبنانيين من 4 ساعات تغذية إضافية يومياً

وبالرغم من سلمية التحرك الذي أصر عليه رؤساء البلديات في بداية الاعتصام، إلا أنه سرعان ما تحول الأمر الى تظاهرات وقطع طريق عام حلبا ــ طرابلس عند أكثر من مفترق، بعد رفض رئيس مصلحة كهرباء عكار والموظفين الخروج للكلام مع رؤساء البلديات، الأمر الذي وضع المواطنين أمام مواجهة مباشرة مع عمال مؤسسة كهرباء لبنان، فما كان من المعتصمين إلا أن توجهوا مجدداً الى مصلحة الكهرباء في حلبا، حيث تقدمهم وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي. والأخير، بدلاً من التصرف بمسؤولية والقيام بما يلزم لتأمين ما يحتاج إليه المواطنون، قرر اللجوء إلى حركة شعبوية، من خلال ممارسة «الكسر والخلع» على باب المحطة وفتح الشركة أمام المواطنين، وإجبار العمال على القيام بالتصليحات اللازمة.
المرعبي الذي أشرف على أعمال التصليح بنفسه، محاطاً بعدد كبير من المواطنين ورؤساء البلديات، كان قد شدد في بيان له على أن استمرار الإضراب والامتناع عن إجراء الصيانة اللازمة والالتزام ببرنامج توزيع الكهرباء، سيدفع المواطنين إلى السلبية تجاه الابتزاز الممارس عليهم، مطالباً بتكليف قيادة الجيش والقوى الأمنية وضع يدها على مرفق الكهرباء الحيوي وتأمين استمراريته لتأمين وصوله بالتساوي إلى جميع المناطق اللبنانية.
وكان رئيس اتحاد بلديات ساحل القيطع أحمد المير قد أكد «أننا لن نعيش تحت رحمة أي نقابة، والنقابة التي ترى نفسها مظلومة فلتلجأ الى القضاء الذي يقول عنه الجميع إنه نزيه، ولكن هل يعقل أن تعاني منطقة فيها زهاء خمسين ألف نسمة، من الظلمة بعد قطع الكهرباء عنها لمدة أربعة أيام. ولفت الى أن النقابة لا تسمح لشركة خدمات بتصليح الأعطال، ولا سيما أن الخط الذي يغذي منطقتنا يستغرق تصليحه عشر دقائق، وقد تم تحويل الكهرباء الى مناطق أخرى نعمت بالتيار 24 /24 ساعة».
من جهته، لفت المرعبي الى «أننا منذ بداية الاعتصام ونحن نسعى إلى تهدئة المواطنين، وإذا كانت حقوق الموظفين والعمال وأجورهم وتعويضاتهم هي مقدسة بالنسبة إلينا جميعاً، فإن ذلك لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال، على حساب صحة المواطنين وحقهم بالاستفادة من الطاقة الكهربائية، وخصوصاً أنّ العديد منهم هم من الأطفال والمرضى والعجز والمحتاجين إلى التدفئة ولتشغيل المعدات الطبية وسواها، كما لا يمكن أن يكون ذلك على حساب المؤسسات التي تنتظر موسم الأعياد لكي تتحرك العجلة الاقتصادية في ظل الركود والكساد».
وأضاف: «إن الإضراب الذي ينفذه عمال مؤسسة كهرباء لبنان، وإن كان حقاً من حقوقهم القانونية، إلا أنّ من واجبهم ومسؤوليتهم عدم تعطيل المرفق العام وإصلاح الأعطال والالتزام بإيصال الكهرباء إلى كل المناطق، وخصوصاً المناطق الجبلية، إذ لا يعقل أن يكون الإضراب سبباً لإلحاق الظلم بالمواطنين المحرومين وضرب اقتصاد البلد».
تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان لفتت في بيانها إلى أن نقابة العمال والمستخدمين أظهرت «تجاوباً إزاء عملية تفريغ مادة الفيول أويل ونقلها كي لا يصار إلى إطفاء أي من مجموعات الإنتاج العاملة حالياً، سواء في معامل الإنتاج أو في الباخرتين التركيتين، فيما بقيت على موقفها لجهة عدم السماح بتشغيل مجموعات جديدة أو إجراء أعمال صيانة أو تصليح على المجموعات المتوقفة، إضافة الى الامتناع عن تصليح كل الأعطال على شبكات النقل والتوزيع». ووجّهت المؤسسة اعتذارها من اللبنانيين.