هل انتهى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله إلى نصر نهائي على السعودية، حين خاضا سياسياً وإعلامياً، محلياً وإقليمياً ودولياً، معركة «استعادة» الرئيس سعد الحريري من الرياض، وإعلانه تريثه في الاستقالة، لا تأكيدها كما كانت توحي أجواء السعودية؟
بالنسبة إلى الطرفين، الجواب إيجابي بطبيعة الحال للأسباب التي باتت معروفة. يكفي الحشد الدولي الداعم لاستقرار لبنان، ووجود رئيس الحكومة حتى الآن في بيت الوسط، لا السرايا الحكومية، ويكفي تشرذم حلفاء السعودية معاً وافتراق الحريري عن حلفائه. فهل كان يمكن تحقيق أفضل من أن يصبح الحريري نفسه مديناً ببقائه في لبنان والحكومة لحزب الله ولعون؟ وهل هناك أفضل من أن يصبح حلفاء الحريري المسيحيين تحديداً في خانة المستهدفين من عائلة الحريري والمقربين منه، على أبواب الانتخابات النيابية، بعدما تحول هؤلاء هدفاً للاتهام بأنهم «وراء احتجاز رئيس الحكومة»؟ وهل كان يمكن تحقيق نتيجة مرضية حين تتحول السعودية راعية السنّة في لبنان إلى خاطفة الحريري، على لسان أهل السنّة والشارع السنّي وعائلة «زعيم السنّة» في لبنان؟
في المقابل، ووفق خلاصة مع شخصيات على اطلاع على مواقف السعودية، في الرياض وفي بيروت، تتجمع المعطيات الآتية:
ثمة إجماع لدى هولاء على أن فريق 8 آذار، ومعه رئيس الجمهورية، نجح إعلامياً وسياسياً في فرض إيقاعه منذ 4 تشرين الثاني، وتمكن هذا الفريق من تحويل استقالة الحريري إلى قضية عون وحزب الله، قبل أن تكون قضية ضدهما. ثمة قراءة في الأخطاء التي ارتُكبت في المقلب الآخر، إعلامياً وسياسياً وديبلوماسياً أيضاً، سواء في السعودية أو في لبنان، وهناك تفاصيل كثيرة تتعلق بالأداء وبالتحرك وخطة العمل غير المدروسة، وبأساليب المواجهة التي افتقدت للعدة وانعدام الكفاءة والخبرة لدى البعض. رغم كل ذلك، ثمة فكرة أساسية لا تتخلى عنها السعودية والذين يطلعون على مواقفها، هي أن الرياض لم ولن تتراجع عن الخطوة التي قامت بها تجاه الحريري وتجاه لبنان. لا يزال الحديث نفسه عن الخيار الذي وضع أمام الحريري، والطريق الذي اختاره بنفسه، ولأن كل خيار له ثمنه، تأتي التتمة، حول أداء الحريري منذ مغادرته السعودية، وصولاً إلى التريث الحكومي.
ينقل سياسي قريب من الرياض، عن أحد الديبلوماسيين السعوديين أن الحريري حين عاد إلى بيروت بدأ يتصرف ويتحدث «وكأنه كان محتجزاً فعلاً»، وهو الأمر ذاته الذي كان قد سُجِّل عليه أثناء المقابلة التلفزيونية. لا يمرّ أسلوب الحريري في بيروت والأداء الذي يظهر به عبر وسائل الإعلام وعباراته لبنانياً وغربياً، مرور الكرام في الرياض. يبدو رئيس الحكومة وكأنه تحت المراقبة في بيروت أكثر مما كان في السعودية. ومعه تظهر المراجعة الشاملة، على طريقة يمهل ولا يهمل. لأن ما يحصل على خط «المستقبل» يظهر وكأن السعودية تُستهدف من البيئة التي كانت حاضنة لها لسنوات. لم تقم السعودية، بما قامت به سوريا ضد عائلة الحريري، والحريري نفسه زار دمشق مبتسماً (حين كان التفاهم السوري ــ السعودي قائماً) ونام في قصر الرئيس السوري بشار الأسد. إلا أنّ ردة الفعل الحريرية على السعودية لا يمكن بعد فهمها بمعناها الواسع.

أنصار السعودية: الرياض لن تتراجع عما قامت به تجاه الحريري ولبنان


في الرياض أيضاً لا يزال الكلام على حزب الله أولوية. قيل لأحد زوار المملكة: نريد الحزب خارج العراق واليمن وسوريا. أما وجوده في لبنان، فهذا شأنكم، ومن الآن وصاعداً فليتحمل لبنان (وضمناً الحريري) وحده تبعات ما قد يتعرض له، حين يصبح تفرد حزب الله بتغطية من عون، موضع انتقاد دولي، وحين تصدر العقوبات الأميركية المتوقعة، لأن الحشد الدولي اليوم والأوروبي تحديداً، لا يتخطى القلق من تبعات الاهتزاز الأمني ارتباطاً بوجود مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، لا أكثر ولا اقل.
وفق ذلك، لا تريد السعودية أن تغطي ما تعتبره تحكّم حزب الله عبر التسوية التي قام بها الحريري. حين سألت السعودية الأخير عن مزايا ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، استفاض في تعداد أهمية الشراكة مع حزب الله وتحييد لبنان، وحين سألت رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، أجابها بأن «الرئيس القوي الذي يقف على مسافة واحدة منا ومن حزب الله بعد تفاهم معراب، قادر لقربه من الحزب على اجتذابه إلى الدولة». لكن ما حصل هو العكس، والبقية معروفة.
وفقاً لنتائج مرحلة الاستقالة والتريث بها، ما هي خطوة السعودية المقبلة؟
لا تقول السعودية لحلفائها ما هي الخطوات التالية، هي تنتظر مواقف الحريري تنفيذياً. لا تريد تصريحات وبيانات حكومية عمومية، وبناءً على الخطوات العملانية المقبلة يمكن تحديد الآتي. حتى الآن يعتبر الحريري منحازاً إلى فريق 8 آذار، ويغطيه بمواقفه، ولا يمثل بالنسبة إليها ما كان يمثله قبل الاستقالة، فهو أصبح خارجاً عن كل التزاماتها معه المعنوية والمالية. والأكيد أن العائلة الموجودة تحديداً في بيروت أصبحت خارج دائرة الولاء السعودي، وهذا ما ستظهر تبعاته لاحقاً، لأنه للمرة الأولى يخرج رئيس للحكومة عن الإطار الذي تمثله السعودية.
كذلك إن توقيت ما يجري قبل الانتخابات النيابية، وإصرار العهد على تبيان تفاهمه مع الحريري، سينعكسان حكماً على التحالف الانتخابي بينهما. كانت السعودية تدفع في اتجاه تحالف انتخابي لتأمين أكثرية واضحة في المجلس النيابي. لكن الحريري يتجه، وفق أدائه والمحيطين به إلى بناء جسور تحالفات مع التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط، ما يرسم معالم تحالف يكون التيار الوطني ركيزته، بخلاف التحالف الرباعي، مع الرئيس نبيه بري وحزب الله للسيطرة على المجلس النيابي. وما يعزز هذا الانطباع، الحملة على حلفاء الحريري الذين كانت الرياض تعوِّل على قيام تفاهم بينهم وبين الحريري لخوض الانتخابات سوياً. ولا تقتصر الحملة على تحميل هؤلاء مسؤولية الموقف السعودي تجاه رئيس الحكومة. إذ بدأت قيادات نافذة عونية وحريرية الترويج لتعديل وزاري يسحب القوات اللبنانية من الحكومة، لأسباب تتعلق بموقف القوات من الأزمة إلى جانب المشكلة المزمنة باتهامها بالوقوف ضد مشاريع التيارين في الحكومة. وما يضاعف هذه الاحتمالات أيضاً، حملة المحيطين بالحريري على السعودية وتحميلها مسؤولية الحصار المالي وعدم مدّهم بالمال اللازم، رغم كل ما تقاضوه في مراحل سابقة، ما ساهم في إضعاف تيار المستقبل والحريري مالياً، وفي تراجعه شعبياً، وكان جزءاً أساسياً من أسباب التسوية الرئاسية.