رغم محاولة الامين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط تخفيف وقع قرار اجتماع القاهرة الاحد، وفصله ما بين الحكومة اللبنانية وحزب الله، ومن ثم الايحاء للرئيسين ميشال عون ونبيه برّي بأنه توخى لفت انتباه لبنان الى الدور الاقليمي السلبي للحزب لثنيه عنه، فإن قرار وزراء الخارجية العرب هبط في الوثائق المرجعية الرسمية للجامعة، ناعتاً حزب الله بـ«الارهابي».
ما تضمنته الفقرة التاسعة في القرار تحميل الحزب ــ «الشريك في الحكومة اللبنانية» ــ مسؤولية دعم الارهاب، لا يبرىء في مضمونه الحكومة اللبنانية، ويجهر تالياً بأن الشريك الآخر يدعم الحزب او يسلّم بأفعاله. قرار كهذا مرشح لأن يقيم من الآن فصاعداً في كل اجتماع يعقده وزراء الخارجية العرب، وفي مسوداتهم، سيفاً مصلتاً على الدولة اللبنانية.
المشكلة الفعلية التي سيتسبب فيها القرار تكمن في تحوّله جزءاً لا يتجزأ من الجدل السياسي، المتوقع مع عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، في الساعات المقبلة، وتقديمه استقالته رسمياً الى رئيس الجمهورية بعد احتفال الاستقلال. بذلك لم يكتفِ قرار اجتماع القاهرة بتسجيل موقف حاد غير مسبوق اذ يوجه اصابع اتهام، ايضاً ومباشرة، الى الدولة اللبنانية، بل يؤكد مضي السعودية الى فصل جديد في المواجهة مع حزب الله. لكن هذه المرة على الارض اللبنانية.

قرار الجامعة يحمل
السعودية الى مواجهة حزب الله على الارض اللبنانية


تعزّز هذه الوجهة بضعة معطيات:
اولها، الانتقال بالازمة الناشبة منذ 4 تشرين الثاني من الاقامة الغامضة والملتبسة للحريري في الرياض الى مرحلة مختلفة تماماً، تضعه في الداخل اللبناني وجهاً لوجه مع حزب الله. تالياً اعادة البلاد الى انقسامها الدائم على الموقف من الحزب وسلاحه ودوره العسكري في سوريا واليمن.
ثانيها، وضَعَ قرار وزراء الخارجية العرب امام رئيس الحكومة المستقيل سقفاً اعلى من ذاك الذي وضعه بيان استقالته، حينما ادلى به في الرياض. يومذاك صوّب على حزب الله بذريعة انه اخلّ بالتسوية السياسية وتدخّله في شؤون الدول العربية وتوريط لبنان فيها. تحت السقف العالي الجديد الذي يمثله قرار اجتماع القاهرة، بات في وسع الحريري التذرع ان من الصعوبة بمكان ترؤس حكومة هي مثار طعن وتشكيك لدى دول الجامعة العربية كلها. اذ تفتقد عندئذ الى الشرعية العربية التي يقتضي ان تتحدث معها. مؤشر كهذا يعني تأليف حكومة عاجزة في الداخل، ومنبوذة من الخارج.
ثالثها، رسم قرار الجامعة العربية، ومن خلاله المملكة، حدّين ملزمين لاحتمال عودة الحريري الى السرايا: ادنى هو خروج حزب الله من الحكومة المقبلة، واقصى هو خروجه من حربي اليمن وسوريا. كلاهما تعجيزي بالنسبة الى حزب الله، لا مفر من رفضه اياهما. من غير المؤكد ان ما شاع، ابان الاحتجاز في الرياض، عن ارغام الحريري على الخروج من السلطة والاعتزال لا يزال سارياً. قد يكون الاصح، ربما، انه هو سهم التصويب في المرحلة المقبلة.
منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 باتت مشاركة حزب الله في الحكومات المتعاقبة حتمية، في معزل عن اهمية الحقائب التي يحوزها. هو بذلك انقلب على مبدأ اختلف الكثيرون على تفسيره وتبريره بين بعدين سياسي او عقائدي، حينما درج مذ قرر الدخول الى البرلمان عام 1992 على حجب الثقة عن كل الحكومات المتتالية مذذاك، الى حين تمثله غير المباشر في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005. بل غالى الحزب في مقاربة هذا الجانب في السلطة الاجرائية منذ عام 2008، بعد اتفاق الدوحة. لم يعد يكتفي بتمثّله فيها، انما راح يتمسك بحصوله ــ مع حلفائه ــ على الثلث المعطل كي يتساوى ورئيس الحكومة في امتلاك صلاحية اسقاط الحكومة. وهو ما اختبره فعلياً عام 2011.
رابعها، مَن يتوقع ان يكون حزب الله خارج الحكومة الجديدة، يقتضي ان يتوقع رئيساً لها سوى الحريري. منذ اتفاق الدوحة بات تيار المستقبل وحزب الله الشريكين الفعليين في معادلة الاستقرار السنّي ــ الشيعي في السلطة والشارع. سابقتان في توقيتين مختلفين، في مرحلتي ما قبل اتفاق الدوحة وما بعده، ابرزتا صدقية هذا التوازن والحاجة الملحة اليه: عندما استقال الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 ففقدت مقدرتها على الحكم، وحينما آثر تيار المستقبل عدم المشاركة في حكومة ميقاتي عام 2011 فإذا هي تفتقر الى الشرعية السنّية التمثيلية.