قد لا تكون هناك حاجة للكثير من التأمل ومتابعة الإعلام العبري لاكتشاف حجم تطابق المصالح الإسرائيلية مع مفاعيل الأزمة التي أدخلت السعودية لبنان فيها. مع ذلك، فإن الأداء السياسي والإعلامي للمسؤولين الإسرائيليين، يشكل عاملاً إضافياً للكشف عن الخدمة التي يوفرها نظام آل سعود، من خلال تصويب نيرانهم السياسية والإعلامية على سلاح المقاومة في لبنان.
في المقابل، لا يكتفي العدو الإسرائيلي بالبقاء مكتوف الأيدي، في انتظار استثمار الفرصة التي يحاول النظام السعودي إيجادها، بل يجهد المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في المشاركة في صنعها ومحاولة البناء عليها. وهنا تكمن الخطورة المزدوجة في استهداف لبنان من قبل الكيانين السعودي والإسرائيلي، على حد سواء، كلٌّ بحسب إمكاناته وموقعه ودوره في هذا المخطط.
في ضوء ما ورد، يصبح في الإمكان فهم الدقة التي تميز بها اختيار نتنياهو مفرداته خلال وصفه للمحادثة الهاتفية بينه وبين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول الوضع في لبنان. كشفت المفردات موقع إسرائيل واهتمامها بما يتعلق بالمرحلة السياسية الجديدة، التي أُقحم فيها لبنان، من دون أن يخفي قرار تل أبيب الدخول على الخط، مراعاة لمصالحها في الداخل اللبناني، وتحديداً ما يتعلق بتعاظم قدرات المقاومة الدفاعية والردعية، التي تعد التهديد الأول لإسرائيل.

هآرتس: ضباط الجيش
أقل خبرة وكوادر حزب الله
أكثر تمرساً


لفت نتنياهو إلى أنّ الرئيس الفرنسي أطلعه «على محادثاته مع رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل (سعد) الحريري»، وتابع أنه «تحدث إليّ طويلاً عن أفكاره حول استقرار الوضع في لبنان». هذا التعبير، كما ورد على لسان نتنياهو، أشار إلى أن مفاهيم الرئيس الفرنسي حول الاستقرار في لبنان لا تتطابق بالضرورة مع النظرة الإسرائيلية، الأمر الذي أكده نتنياهو لاحقاً بقوله: «قلت له ما هي مصالحنا. أولاً وقبل كل شيء التهديد الموجه إلينا من لبنان...». بعبارة أخرى، أراد نتنياهو أن يشير إلى أن الاستقرار الذي تحدث عنه الرئيس الفرنسي، ليس الاستقرار الذي ترضى عنه تل أبيب، ما لم يأخذ بالاعتبار مصالح إسرائيل. وتحديداً ما يتعلق بسلاح المقاومة، الذي ترى تل أبيب أن التطورات الأخيرة في لبنان، قد تفضي إلى إعادة بثّ الأمل أمام إسرائيل لتقييده، وربما أيضاً من ناحية نظرية على الأقل، نزعه كما يتردد على ألسنة المسؤولين السعوديين.
إلى ذلك، كشف نتنياهو أنه والرئيس الفرنسي سيواصلان التحادث في الأيام المقبلة، ومن ثم اللقاء في باريس خلال الشهر المقبل، مع التشديد على أن الاتصالات واللقاء يأتيان «من أجل أن نرى إن كان بإمكاننا أن نتبنى توجهات مشتركة قدر الإمكان، بخصوص هذا التهديد»، في إشارة منه إلى سلاح المقاومة.
لا يخفى أن كليهما، نتنياهو وماكرون، مهتمان بالواقع السياسي والأمني في لبنان. من جهة، يبدو من خلال المواقف الفرنسية المعلنة، أن باريس تسعى إلى ضبط المسار السياسي المرتقب بما لا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان، لما قد يترتب عن ذلك من نتائج وتداعيات قد تطاول في بعض منها، أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، من بوابة التداعيات على اللاجئين السوريين في لبنان. في المقابل، يخشى الإسرائيلي استمرار الاستقرار في لبنان في ظل المعادلة المحلية والإقليمية، التي يرى فيها تقييداً لخيارات إسرائيل العدوانية. ومن هنا، يحاول الإسرائيلي أن يوجه هذا الحراك الذي تشارك فيه فرنسا، باتجاه يلبي مصالح إسرائيل الحيوية في الداخل اللبناني، أي مواجهة تعاظم قدرات الردع والدفاع لدى المقاومة، بعدما فشلت رهاناتها السابقة من خلال البوابة السورية والإقليمية، طوال السنوات الماضية.
على هذه الخلفية، أكد نتنياهو خلال جلسة مع مسؤولين في حزبه الليكود، أن المحاولة مع الجانب الفرنسي ستتبعها محاولات أخرى في القارة الأوروبية، للوصول إلى الهدف المنشود، إذ أوضح قائلاً: «ومن هناك سأسافر للاجتماع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، وسأبحث معهم أيضاً هذه المسائل».
في سياق متصل، كشفت صحيفة هآرتس جانباً من الاهتمامات الاستثنائية في الساحة الإسرائيلية للتعيينات الرفيعة المستوى الجديدة في جيش العدو، وذكرت أن «أخطر تحدٍّ أمني محتمل» سيواجهه الجيش خلال العامين القادمين، وأنه «قد يواجه ليس فقط ضباطاً مخضرمين من الحرس الثوري الإيراني... بل وأيضاً الجيل الجديد من كوادر حزب الله الذين خاضوا معارك شرسة ومعقدة في الحرب السورية على مدى السنوات الخمس الماضية». ولفتت الصحيفة إلى النظرة الإسرائيلية لهذا الجيل الجديد من مقاتلي حزب الله بالقول إنه «جيل حربجي، واثق بنفسه» وقدرته على مواجهة الجيش الإسرائيلي على قدم المساواة في ساحة المعركة.
في المقابل، لفتت هآرتس إلى أن «التجربة القتالية الأساسية لقادة الجيش الإسرائيلي خلال العقد الماضي كانت في غزة، في عمليات محدودة». وأوضحت أنه تسرح خلال السنوات الماضية ولأسباب متعددة مجموعة من كبار القادة في الجيش الإسرائيلي الذين راكموا خبرة عملية طويلة ومهمة خلال سنوات القتال في لبنان وفي المناطق [الفلسطينية]، وهو ما أدى إلى بقاء عدد قليل جداً في الجيش، من الضباط من ذوي الخبرة والتجربة.