مرة أخرى، لم تترك اسرائيل مجالاً للوهم حول حجم التطابق مع النظام السعودي، على مستوى الرؤية الموقف والأهداف والخيارات، ضد المقاومة في لبنان. ولم يعد نظام آل سعود يجد حرجاً في لعب دور مقاول التنفيذ خدمة للمصالح الاسرائيلية في لبنان والمنطقة.
في ضوء ذلك، يصبح مفهوماً أن يتبنى النظام السعودي الموقف الاسرائيلي، في الساحة والتوقيت اللذين يلبيان أولويات الامن القومي الاسرائيلي. على هذه الخلفية، لم تتأخر تل ابيب في المسارعة الى دعم الموقف السعودي وتبنّي خطابه السياسي والترويج له في العالم، من أجل بلورة ضغط دولي على لبنان والمقاومة. مع ذلك، ينبغي القول ايضاً إن الحملة الدبلوماسية التي تشنّها اسرائيل دعماً للسعودية في مواجهة لبنان وحزب الله، وضد الشعب اليمني، ليست إلا ترجمة لمتطلبات مصالحها وخدمة لأولوياتها. وتكشف ايضاً أن إسرائيل وجدت في مطالبة النظام السعودي بعدم مشاركة حزب الله في أي حكومة لاحقة، فرصة للتكامل الرسمي والعلني والفوري مع السياسة السعودية ازاء المقاومة في لبنان، فحملت الراية وجنَّدت دبلوماسييها بهدف الترويج لتبني الموقف السعودي في انحاء العالم.

تقديرات تشكّك
في نجاح مسار
الضغط السعودي على حزب الله


في المقابل، يكشف التدقيق في الظروف السياسية الحالية، أن المطلب السعودي هو خيار اسرائيلي ابتدائي، وتحديداً في هذه المرحلة. وهو يوفر غطاء «شبه عربي»، و«شبه لبناني» بالتالي، للحملة الاسرائيلية ضد حزب الله. وبالطبع، فإن الكثير من وسائل الاعلام المحلية والعربية جاهزة، بل بدأت بالترويج لفذلكة الخطاب السعودي. على المستوى العربي يتم الترويج لمصلحة عربية مزعومة في تنفيذ مطلب اسرائيلي ــــ سعودي باخراج حزب عربي من حكومة عربية، ولمصلحة لبنانية موهومة في اخراج حزب لبناني من حكومة لبنانية، متجاهلين حقيقة أن هذا الموقف هو مطلب اسرائيلي ملحّ، على مستوى المنطلقات والأهداف والسياقات والتوقيت. بل يمثل خياراً بديلاً للمؤسسة الاسرائيلية ــــ في المرحلة الحالية ــــ بعد فشل رهاناتها الاقليمية بشكل عام، وفي الساحة السورية بشكل خاص. والمفهوم نفسه ينطبق ايضاً على خيارات نظام آل سعود.
منذ تبلور فشل مخطط المعسكر الغربي في اسقاط النظام السوري، وعلى رأسه الرئيس بشار الاسد، لاسقاط سوريا والمنطقة لمصلحة المعسكر الغربي، وتفكيك محور المقاومة والقضاء على حزب الله، بات السؤال الملحّ لدى الجهات الدولية والاقليمية المعادية للمقاومة في لبنان وفلسطين، وتحديدا في تل أبيب، يتركز حول طبيعة الخيار البديل عن فشل الاستراتيجيات السابقة في سوريا والمنطقة.
ينبع البحث عن هذا الخيار من قلق مؤسسة القرار في تل أبيب، من تداعيات انتصار محور المقاومة على معادلة الصراع الاقليمي. وهو ما برز جلياً في الخطاب السياسي الاسرائيلي التهويلي، الذي رفع الصوت عاليا في عواصم القرار الدولي، محذراً من مخاطر انتصار محور المقاومة على الامن القومي الاسرائيلي.
في هذه اللحظة المفصلية على مستوى لبنان والمنطقة، نفّذ نظام آل سعود ضربته الخاطفة، فـ «استدعى» رئيس الوزراء اللبناني... وفجأة، انقلبت الصورة وتم الضخ السياسي والاعلامي الموجّه والمدروس ضد حزب الله. وتوالت المواقف والتحليلات التي تسوّق للمطلب الاسرائيلي ــــ السعودي، وجال سفراء تل ابيب لدى كبار المسؤولين في العالم الغربي تحريضاً وترويجاً وتسويقاً لنظرية منع مشاركة حزب الله في أي حكومة لاحقة، وإلا فالويل والثبور.
احتل هذا الحدث صدارة الاهتمام السياسي والاعلامي في تل ابيب، وحظي باهتمام خبراء أساسيين في الساحة الاسرائيلية، تحليلاً واستشرافاً. ومن ضمنهم رئيس مجلس الامن القومي السابق اللواء غيورا ايلاند، الذي رأى في الخطوة السعودية «فرصة أخيرة لانقاذ لبنان» بالمفهوم الاسرائيلي. مع الاشارة الى أن ايلاند لم يبالغ في الطموحات الاسرائيلية على الورقة السعودية، بل اعتبرها «فرصة أخيرة» لأهداف بديلة، ضمناً، عن نزع سلاح المقاومة الذي بات خارج الوهم.
لكن مسارعة اسرائيل للتمسك بأذيال الخيار السعودي، ضد المقاومة في لبنان، في ضوء موازين القوى الاقليمية والمحلية، وبعد كل المراحل والمحطات التي مرت بها المنطقة، تكشف أن تل ابيب مستعدة للرهان على «الوهم البديل» في ضوء انسداد آفاق الرهانات على خيارات أخرى تلبي الطموحات والآمال الاسرائيلية القصوى.
مع ذلك، دعا آيلاند الاجهزة الاسرائيلية المختصة الى تبني مفهوم «تسليط الاضواء على النشاطات الإيرانية في سوريا، وحالياً في لبنان. وتوجيه الجهود السياسية لطلب المجتمع الدولي من الشعب اللبناني ورئيسه أن يقرر: هل يريدان أن يعاملا كدولة مستقلة، أم أنهما يقبلان بسيطرة إيران عليهما من خلال حزب الله؟». وحذر آيلاند من أن اسرائيل «لا تستطيع التدخل مباشرة مثلما حاولت في العام 1982 وانجرّت من دون حاجة إلى الوحل اللبناني»، لافتاً الى أن «في استطاعة إسرائيل أن تفعل أمرين»، خلاصتهما أن على الدول الغربية أن تؤدي دوراً نشطاً في هذا المخطط، في لبنان، والثاني كرر فيه سياسة التهويل التي تحتل جزءاً أساسياً من مقاربته الثابتة منذ 11 عاماً.
مع ذلك، برز تقدير آخر صادر عن «معهد ابحاث الامن القومي» في تل أبيب، حذر من مفاعيل فشل المسار الذي أطلقته السعودية ضد لبنان وحزب الله. ورأى أنه «من المعقول أن لا تنجح الضغوط التي تمارس على الحزب في دفعه للتخلي عن الأهداف التي وجهته حتى الآن، خصوصاً ما يتعلق بتعزيز قدراته العسكرية». وشكّك التقدير في امكانية نجاح محاولة اضعاف مكانة حزب الله في الساحة اللبنانية، محذراً من أن «العكس قد يتحقق من وراء ذلك».