لم يكن ينقص البلبلة التي أحدثتها تحذيرات السفارات الأميركية والكندية والبريطانية لرعاياهم في لبنان من أخطار أمنية محدقة قبل يومين، سوى بيان السفارة الفرنسية أمس، ليزيد من ترهيب اللبنانيين والمقيمين في لبنان.
وعدا عن القلق والخوف الذي أحدثته بيانات السفارات المذكورة، ضاربةً بمصالح اللبنانيين الاقتصادية وأعمالهم التجارية والسياحية عرض الحائط، خصوصاً التصويب على كازينو لبنان، تكشف الخطوة عن عقليّة «المندوبية السامية» التي لا تزال سفارات الدول الكبرى تتعامل بها مع الدولة اللبنانية، في مسّ واضح بالسيادة اللبنانية واستهتار بهيبة الدولة وصلاحياتها ودورها، لمصلحة هيمنة السفارات وتسلّطها، بذريعة الأخطار الأمنية والحرص على الرعايا.
في معلومات «الأخبار» أن التحذير الأميركي الذي بُثّ عبر البريد الإلكتروني للسفارة موجّهاً إلى الرعايا، ويحذّرهم من ارتياد كازينو لبنان، يعود إلى معلومات حصل عليها الأميركيون عن نيّة مجموعة إرهابية تدار من مخيّم عين الحلوة تنفيذ عملية إرهابية في الكازينو. إلّا أن هذه المعلومات ليست جديدة، وتعود إلى قبل نحو شهر، وقد حصل عليها الأميركيون عبر اعتراض محادثات هاتفية وإلكترونية، وهي معطيات ناقصة، من دون أسماء أو تفاصيل. وبحسب مصادر معنيّة تحدّثت لـ«الأخبار»، فإن «الأميركيين أبلغوا استخبارات الجيش اللبناني بالأمر، وبدأت الاستخبارات بالبحث، لكنّ التحقيقات لم تُثبت أي شيء حتى الآن». وهذه المعلومات أكّدها بيان الجيش مساء أمس، لجهة إشارته إلى أنه «إثر توافر معلومات لمديرية المخابرات عن قيام خلية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، يترأسها المصري فادي إبراهيم أحمد علي أحمد الملقب بأبو خطاب، المتواري داخل مخيم عين الحلوة، بالتخطيط والتحضير للقيام بعمل إرهابي، قامت مديرية المخابرات بتنفيذ عدة عمليات دهم، أدت إلى توقيف 19 شخصاً لارتباطهم بشكل أو بآخر بالخلية المذكورة، ولا تزال التحقيقات مستمرة مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص»، فيما أتى بيان وزير الداخلية نهاد المشنوق ليؤكّد بدوره أن «هذه التحذيرات مبنية على معلومات من أحد أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وتقوم الأجهزة الأمنية اللبنانية بمتابعتها للتحرّي عن صحتها ودقتها». إلّا أن بيان وزارة الخارجية كان أكثر وضوحاً من إشارة المشنوق إلى أنه «لا داعي للخوف وتضخيم الخبر وإعطائه أبعاداً أكبر من حجمه»، إذ وجّهت الخارجية انتقاداً «خفيفاً» لخطوة السفارات، مؤكّدةً أن «هكذا بيانات يجب أن تندرج ضمن التنسيق، القائم أصلاً، مع وزارة الخارجية والمغتربين وأجهزة الدولة الأمنية».
التهديدات الأمنية ضدّ لبنان ودول المنطقة من قبل تنظيم «داعش» والتنظيمات المرتبطة بـ«القاعدة» ليست جديدة، والأنباء حول نيّة الإرهابيين استهداف الداخل اللبناني تكاد تكون يومية، ولا يمرّ يومٌ لا توقف فيه الأجهزة الأمنية اللبنانية مطلوبين أو مشتبهاً في سعيهم إلى تنفيذ أعمال إرهابية، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، حيث تعاني التنظيمات الإرهابية من هزائم متلاحقة في سوريا والعراق. وليس مفهوماً لماذا تعمّدت السفارة الأميركية تعميم التحذير، ما دامت قد أبلغت الأجهزة الأمنية اللبنانية بمعلوماتها، والتي تحرّكت على الفور لإحباط أي عمل إرهابي. وإذا كانت بيانات كندا وبريطانيا مفهومة لجهة الاستناد إلى التحذير الأميركي والتنسيق بين دول الحلف الأطلسي، فإن خطوة السفارة الفرنسية أمس، وإشاعتها أجواء القلق والخوف مجدّداً على الرغم من نشاط الأجهزة، يثير التساؤل أيضاً عن جدواه الأمنية والإعلامية.

تصل كلفة الانتخابات
وتطوير الأحوال الشخصية إلى نحو 180 مليون دولار

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى جملة نقاط؛ أوّلاً، وفي حال كان التحذير صحيحاً، فإنه ليس من حقّ السفارة الأميركية تعميم هذه المعلومات من دون تنسيق مع الدولة اللبنانية، وهو ما لم يحصل، خصوصاً أن مصادر معنيّة أكّدت أن «نشر التحذير أربك عمل استخبارات الجيش وحذّر إرهابيين كانت تعمل على رصدهم وتنوي توقيفهم». ثانياً، أكثر من مرّة قامت الأجهزة الأمنية اللبنانية بتحذير الأجهزة الغربية من إمكان وقوع عمليات إرهابية في دول غربية، فهل قامت السفارات اللبنانية في هذه الدول بتحذير الرعايا اللبنانيين من أخطار أمنية، محدثةً بلبلة من دون تنسيق مع حكومات تلك الدول؟ وفي حال قامت السفارات اللبنانية بالمثل، كيف سيكون ردّ وزارات الخارجية الغربية على إجراءات أحادية الجانب كهذه؟ أم أن المسموح لـ«المندوبين السامين» في لبنان ممنوع على السفراء اللبنانيين في الخارج؟ أو أن الرعايا اللبنانيين في أوروبا الغربية وأميركا أقلّ شأناً من الرعايا الغربيين في لبنان؟ ثمّ إن الأجهزة الأمنية اللبنانية أثبتت كفاءة عالية عبر ضربها الشبكات الإرهابية وتفكيكها واعتقال أعضائها، خصوصاً لناحية العمل الاستباقي، فيما تعاني الدول الغربية من اعتداءات إرهابية يومية، كان آخرها أمس في لندن وباريس. وسبق للأجهزة الأمنية أن فكّكت خلايا أخطر من تلك التي يُحتمل أن تكون قد خطّطت فعلاً لاستهداف الكازينو، ولم يقم الغربيون بتحذير رعاياهم، فلماذا جرى اعتماد هذه الطريقة الآن؟ وهل هناك خلفية للتوقيت والأسلوب؟
اتفاق أوّليّ على البطاقة البيومترية
وبعيداً عن الشان الأمني، وبعد عدّة اجتماعات للجنة الوزارية المكلّفة بتطبيق قانون الانتخاب، توصّل الوزراء أمس، بعد اجتماع مسائي، إلى اتفاق أوّلي على اعتماد البطاقة البيومترية، كوسيلة للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة. غير أن هذا الاتفاق لم يحسم بعد، بانتظار النقاش في مجلس الوزراء، وسبب عدم الحسم هو الاختلاف بين حركة أمل وحزب الله وحزب القوات اللبنانية حول التمسّك بالتسجيل المسبق للناخبين، وبين إصرار التيار الوطني الحرّ ومعه الرئيس سعد الحريري على رفض التسجيل المسبق للناخبين الراغبين في الإدلاء بأصواتهم خارج أماكن القيد. كذلك توصّلت اللجنة إلى الاتفاق على مشاركة المغتربين في العملية الانتخابية، شريطة التسجيل المسبق في السفارات.
وفيما أكّد أكثر من مصدر مشارك أن الانقسام الأكثر حدّة هو بين موقفي حركة أمل والتيار الوطني، قالت مصادر مشاركة إن «القوات اللبنانية بدت أكثر ليونة من المرات السابقة لناحية التساهل مع مطلب التيار الوطني برفض التسجيل المسبق»، مع ربط الموقف باللقاء الذي جمع رئيس القوات سمير جعجع بالحريري أول من أمس. ويصرّ التيار الوطني الحرّ على موقفه هذا، من خلفيّة أن أكثرية المواطنين لا يلجأون إلى التسجيل المسبق، ما قد يمنعهم لاحقاً من الاقتراع. وفي حين أن هذا الخلل قد لا يصيب التيار الوطني الحر وحده، بل كلّ الفرقاء، قالت مصادر في التيار لـ«الأخبار» إن «ملاحظات القوى الأخرى من الناحية التقنية معقولة ونحن ندرسها»، لكن «بعض ماكينات القوى السياسية والقدرة على التجيير المسبق ستكون مرتفعة في حال التسجيل المسبق، بينما نحن نفضّل ترك الناخب على مزاجه حتى يوم الاقتراع». وعن الاختلاف مع حركة أمل لناحية التسجيل المسبق، قالت المصادر إن «هناك فكرة ذكية تجري بلورتها، وهي تراعي مطلب الفريقين»، رافضةً الكشف عنها.
وفيما لم يتّضح بعد مصير آلية عمل البطاقة البيومترية في ظلّ الخلاف على التسجيل المسبق، أكّدت مصادر وزارية أن مسألة التصويت خارج مكان القيد يمكن أن تحصل عبر ثلاثة احتمالات: عدم التسجيل المسبق مع إنشاء بنية إلكترونية لربط حوالى 10 آلاف قلم اقتراع، وهذا الأمر مُكلف للغاية وشبه مستحيل التنفيذ قبل موعد الانتخاب. الخيار الثاني، عدم التسجيل المسبق، وربط المراكز بماكينات قراءة تبلغ كلفة الواحدة حوالى ألف دولار أميركي، ما يعني 10 ملايين دولار لهذه الماكينات وحدها. وإما إقامة مراكز كبرى في كل منطقة على حدة واستخدام ماكينات قراءة أقلّ، لكن مع التسجيل المسبق.
وفيما لا يزال الحديث عن رغبة بعض القوى السياسية في عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لا سيّما تيار المستقبل، تتخوّف القوى السياسية الأخرى من تحوّل المعوّقات التقنية إلى ذريعة يجري لاحقاً اللجوء إليها لطلب تأجيل الانتخابات. وهناك أوّلاً التكلفة المادية للانتخابات ولتطوير الأحوال الشخصية بشكل عام، والتي قد يصل مجموعها إلى 180 مليون دولار، وهو ما يبعث على القلق أيضاً من احتمالات الهدر و«التنفيعات» التي قد تحيط بتلزميات تنفيذ المشاريع التقينة. مصادر وزارة الداخلية أكّدت لـ«الأخبار» أن «البطاقة البيومترية يجب أن يبدأ العمل عليها في غضون أيام، في حال أرادت القوى السياسية أن تصل إلى نتيجة وأن تنتهي منها الوزارة قبل الانتخابات». وتقول المصادر إن «هناك 3 ملايين و700 ألف بطاقة يجب إصدارها، ولدينا إمكانية العمل 24 ساعة على 24 للطبع، لكنّ المشكلة في تقديم الطلبات». وتقسم المصادر عدد البطاقات المطلوب إصدارها إلى ثلاث فئات، استناداً إلى بطاقة الهوية اللبنانية التي عمل بها على ثلاث دفعات، من 1997 حتى 2002 ومن 2002 حتى 2010 ومن 2010 حتى 2017. فهناك مليونان و400 ألف ملفّ تحوي معلومات صحيحة عن أصحابها لكنها غير مكتملة، والباقي ينقسم بين حوالى 700 ألف ملفّ يحوي معلومات غير صحيحة، و600 ألف طلب لم يتقدّم أصحابها للحصول على بطاقات هويّتهم. غير أن حصول المواطنين على الهوية البيومترية، وما يعنيه الأمر من تقديم المعاملات والانتظار والتكلفة المالية، قد يعطي فرصةً أكبر للماكينات الانتخابية للأحزاب والمرشحين، للتحكّم أكثر في أصوات الناخبين من خلال تخليصها لتلك المعاملات ودفعها البدل المادي عن المواطنين.
(الأخبار)