لم يعُد للسعودية ما كان لها سابقاً، لا في سوريا ولا العراق ولا اليمن. اكتشفت أخيراً أن البساط سُحب من تحت أقدامها وأقدام حلفائها في المنطقة، ووجدت نفسها خاسرة على الأرض كما في السياسة. لكنّ المملكة التي اختارت الانفتاح على إيران بعد جفوة استمرّت سنوات، ترفض إعلان الاستسلام دفعة واحدة، وتُصر على إيصال رسالة إلى لبنان، وعبره بشكل تدريجيّ، بعد زيارة وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان للبنان.
تصعيد الأخير ضد حزب الله إلى حدّ وصفه بـ«حزب الشيطان»، وتهديده بأن «لبنان سيدفع ثمن جرائم الحزب وتدخّله في الصراعات الإقليمية»، تزامن مع غضبة لبنانية ــــ عراقية من «الصفقة» التي تمّت بين الحزب و«داعش». والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تهاجم السعودية حزب الله في لحظة مهادنة الجمهورية الإسلامية؟ وهل يكون التصعيد مقدمة لتوتير يهزّ دعائم التسوية السياسية القائمة على ربط النزاع منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً؟
لا أحد يملِك إجابة حاسمة عن السؤالين. غير أن قوى سياسية لبنانية قريبة من الرياض ترى في هذا التصعيد رسائل عدّة. الأولى إلى الداخل اللبناني، وتحديداً رئيس الحكومة سعد الحريري، بأن مواقفه من حزب الله «لا ترتقي إلى آمال المملكة وتطلعاتها»، وأن «مواقفه استسلامية ودون المستوى المطلوب». والرسالة الثانية إلى القوى الحليفة للمملكة، «فالسبهان حين يصِف الحزب بحزب الشيطان، يلمّح بذلك إلى عدم جواز مساكنته»، وتهديده «يعني أن الاستمرار في هذه الحكومة يمكن أن يدفع المملكة إلى التعاطي مع لبنان على غرار تعاطيها مع قطر». وفي رأي الأوساط، «تريد المملكة تسخين الساحة الداخلية، ولن يكون بمقدروها ذلك طالما أن حلفاءها مشاركون في الحكومة».

في مواقف السبهان غضب من المواقف «الاستسلامية» للحريري

الأوساط نفسها تقر بأن هناك صعوبة في تفسير الموقف السعودي الذي يحمل إشارات متناقضة، لكنها تلجأ إلى التفسير الأسهل وهو أن «المملكة تطرح استعدادها الكامل للانفتاح على إيران، مقابل ضرب أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن». بمعنى أن «لا مشكلة مع إيران كدولة، وإنما مع أدوارها في عدد من الدول».
ماذا تريد السعودية في لبنان أو منه؟ بحسب المصادر «قد لا يكون كلام السبهان أكثر من مجرّد موقف تعبيري»، وربمّا «يستبطن خريطة طريق سياسية تؤدي إلى انفجار، ما يطرح تساؤلات عن مصير الحكومة والبلد ككل». لكنه أيضاً قد يكون «موقفاً لا يحمِل أي أبعاد عملية، ولا يخرج عن سياق تفاوضي تريد المملكة التذكير من خلاله بأن أي محاولة لإخراجها من المرحلة السياسية الجديدة التي دخلتها سوريا، ستقابل بزعزعة الساحة اللبنانية».
ولكن، هل في الساحة اللبنانية من يستطيع أن يجاري المملكة في ما تريده؟
يبدو هذا الأمر صعباً في ظل «تشتت صفوف حلفائها وغياب رؤيتهم وصراعهم في ما بينهم داخل السلطة وخارجها». لكن البارز هو موقف حزب الله وحركة أمل من كلام السبهان ووصفه بأنه «غير ذي أهمية أو جدوى». برأي أوساط قريبة من «الثنائي الشيعي»، هو «مقابلة الهزيمة بالشتائم، وصداه في لبنان غير قابل للترجمة»، مخفّفةً من وطأة تصريحات السبهان «التي لن تستطيع التأثير على الوضع الداخلي ولا الحكومة»، وخصوصاً أن «المنطقة تتجه نحو تسويات شاملة، تُحاول المملكة الضغط من أجل أن تكون ركناً أساسياً فيها». وفي هذا الإطار، لفتت مصادر دبلوماسية إلى أن «على جدول أعمال الزيارة التي سيقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لموسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال يومين، بنداً عن التسوية مع إيران»، مشيرة إلى أن «الجانب الروسي سيضغط في هذا الاتجاه».
وفي السياق، تعتبر أوساط الثنائي أن «الخطر ليس منشأه السعودية، وإنما إسرائيل»، مشيرة إلى «تخوّف جدّي من ضربة إسرائيلية ليست في الحسبان». فالمناورات الضخمة التي يجريها الجيش الإسرائيلي وتحاكي فيها كل السيناريوهات التي قد يواجهها في حال خوضه حرباً ضد الحزب «ليست عادية، ولا سيما أنها تتم في منطقة مطابقة لجغرافية لبنان». واحتمالات هذه الضربة «تزداد بعد فشل إسرائيل في انتزاع التزامات أميركية تتبنى أي ضربة، وتعاون روسي يحميها في الجنوب السوري»، حيث تعتبر أن بإمكانها «الرد على هذه الجبهة من خلال الجبهة الشمالية مع لبنان»!