فاوضت الدولة اللبنانية مَن خطف عسكرييها وقتل اثنين منهم ونفّذ تفجيرات قتلت مدنيين، بينهم نساء وأطفال. وعقدت صفقة مع من احتلّ أرضها في عرسال وأرهب شعبها. تنازلت عن ثأر يتمناه ذوو الضحايا والشهداء ممن أوجعهم سيف جبهة النصرة، سواء في الجرود أو في عمق الأراضي اللبنانية جراء السيارات المفخخة والانتحاريين.
غير أنّ ذلك كله مبرر في سبيل تحرير الأرض، وإنهاء الخطر الذي يمثّله احتلال الجرود، وحقن دم أهل عرسال والنازحين وكل من يريد الهجوم لتحرير الأرض المحتلة، فضلاً عن فك أسر ثمانية أسرى من حزب الله. لكن، لماذا ترفض تسوية تقضي بخروج مطلوبي مخيم عين الحلوة؟ أليست فرصة لإراحة أهل المخيم من عبء وتهديد جاثم على صدر أهله وأهل صيدا ومعهم كل اللبنانيين؟ ألم تعلن الأجهزة الأمنية غير مرة أن هؤلاء يسعون إلى تدمير المخيم وقلبه فوق رؤوس أهله؟ لقد قرر هؤلاء اليوم الخروج وترك المخيم، فلماذا يُضيّع أحد فرصة كهذه، ولا سيما أن المصادر تكشف أنّ هناك نحو ١٣٠ مطلوباً بجرائم الإرهاب مستعدون للخروج من مخيم عين الحلوة إلى إدلب إذا وافقت الدولة اللبنانية؟ يأتي هذا القرار استكمالاً لتصريح القيادي الإسلامي الشيخ أسامة الشهابي قبل أسابيع، يوم طلب من الدولة اللبنانية فتح ممر لمطلوبي عين الحلوة للمغادرة الى سوريا حقناً لدماء أهل المخيم وحرصاً على عدم تدميره. هذا المطلب تحوّل إلى حقيقة. ويرى إسلاميو عين الحلوة أنهم بذلك يريحون الدولة اللبنانية والمخيم ويرتاحون.

مرجع أمني
لـ«الأخبار»: خروج المطلوبين اللبنانيين من دون حساب لا يمكن السماح بحصوله

وذكرت مصادر جهادية لـ«الأخبار» أن الخارجين سيكونون من جبهة النصرة وتنظيم «داعش»، مشيرة إلى أن أنصار «النصرة» ستكون وجهتهم إدلب. أما عناصر «داعش» فستكون وجهتهم معاقل التنظيم في دير الزور. وكشفت المصادر نفسها أن أسماء أساسية مستعدة للخروج من المخيم، سواء القيادي المتشدد جمال رميض الملقب بالشيشاني أو القيادي في كتائب عبدالله عزام توفيق طه.
بعد بدء المفاوضات بين حزب الله وجبهة النصرة في الأيام الماضية، علمت «الأخبار» أن أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي طرح أن تتضمن الصفقة أسماء سجناء في رومية، إضافة الى خمسين عائلة من مخيم عين الحلوة طلب تسهيل انتقالهم إلى إدلب. وقد رفضت الجهة اللبنانية طرح إخراج موقوفين من سجن رومية، الا أنها تركت مسألة خروج العائلات من عين الحلوة مفتوحة، علماً بأن خمسين عائلة يعني قرابة مئتي شخص. أول من أمس، تداعى وجوه «الشباب المسلم» في عين الحلوة (توفيق طه وأسامة الشهابي وزياد أبو النعاج وأبو حمزة مبارك وآخرين)، وهم جميعاً مطلوبون بتهم الإرهاب، واتفقوا على الطلب من السفارة الفلسطينية التوسط مع الدولة اللبنانية لعرض هذا المقترح. وذكرت مصادر الشباب المسلم لـ«الأخبار» أن «الشباب المسلم سيتركون عائلاتهم من أجل الحفاظ على المخيم وأهله»، مشيرة الى أن «ذلك يدل على صدق نوايانا». وأكد الشهابي لـ»الأخبار»: «حسمنا أمرنا بأننا لن نكون أداة أيّ كان لتدمير المخيم، لذلك قررنا ترك الأحبة والأهل من أجل حماية أهلنا وحرصا عليهم وذلك عقيدة ودين عندنا».
غير أن القيادي السابق في حركة فتح، محمود عيسى (اللينو)، خرج أمس وأعلن أن الدولة اللبنانية رفضت هذا العرض، مؤكداً أن لا موافقة رسمية على خروج مناصرين ومنتمين للنصرة من عين الحلوة الى إدلب. وذكرت المصادر أن إسلاميي عين الحلوة أرسلوا لائحة تتضمن الأسماء الأولى للمطلوبين الذين يودون المغادرة، حرصاً على عدم خلق مشاكل لاحقة إذا رُفض العرض.
ورغم أن مرجعاً أمنياً أبلغ «الأخبار» أن الدولة اللبنانية على استعداد للقبول بتسهيل خروج المطلوبين من عين الحلوة إلى إدلب، إلا أنه لفت إلى أنّ خروج المطلوبين اللبنانيين المتورطين بجرائم إرهابية من دون حساب لا يمكن أن تسمح الدولة اللبنانية بحصوله. وأكد المرجع الأمني أن ذلك لن يدخل في صفقة التبادل الجارية، لكون القيمين على ملف التفاوض لا يريدون إدخال بند قد تعيق تفاصيله الصفقة برمّتها. وقد علّق المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في مقابلة تلفزيونية ردّاً على سؤال حول إمكانية خروج مطلوبين من مخيم عين الحلوة بموجب هذا الاتفاق، بأن «هذا الموضوع طرح في بداية التفاوض، لكن بالشروط التي طرحت هو مرفوض من قبلنا لأنها تمس بسيادة الدولة اللبنانية»، قائلاً: «هناك أسماء مطلوب خروجها من المستحيل أن نوافق عليها، والذي يريد أن يخرج يجب أن يكون سورياً، وهم يطالبون بخروج أشخاص من جنسيات مختلفة». لكن، وإن يكن بعض هؤلاء لبنانيين ارتكبوا جرائم على الأراضي اللبنانية، فإن مصادر من «النصرة» تؤكد أن بين مقاتلي التنظيم في الجرود لبنانيين. وفوق ذلك، فإن من وافقت الدولة اللبنانيين على خروجهم قتلوا عسكريين ومدنيين لبنانيين على الأراضي اللبنانية ونفذوا تفجيرات ضد مدنييه.
في هذا السياق، تكشف المصادر الأمنية أن هناك مجموعة محاذير تؤرق الأجهزة الأمنية بشأن خروج المطلوبين. وترى أن هناك أكثر من سيناريو قد ينعكس سلباً على أمن المخيم. الأول يتعلق بإفراغ عين الحلوة من المطلوبين. وهذا الأكثر قبولاً إن حصل لكونه سيريح المخيم. لكن، هل يعقل أن يخرج جميع المطلوبين من المخيم؟ هنا يحضر سيناريو آخر. ماذا إذا رفض بعضهم الخروج، وماذا إذا كان الرافض قيادياً في تنظيم «داعش»؟ وهنا ترى المصادر أن بقاء بعض المتشددين من شأنه أن يوحّد كلمتهم، ولا سيما أن من بين الخارجين أسماء لمشايخ أعقل من غيرهم، لهم سطوة وقدرة على ضبط المتهورين. ماذا عن شادي المولوي وآخرين ممن تورطوا في دماء لبنانيين؟ هل سيوافق هؤلاء على الخروج، وهل تقبل الأجهزة الأمنية بخروجهم؟ مسألة أخرى تتعلق بالتوازنات داخل المخيم. هل الأفضل الإبقاء على التوازنات القائمة، أم أن حدوث أي خلل من شأنه أن يقلب الأمور داخل عين الحلوة؟ وفي هذا السياق، تكشف المصادر الأمنية أن خيار القبول بتسهيل خروج المطلوبين لا يزال مفتوحاً، لكنه يحتاج إلى دراسة تفاصيله حرصاً على عدم الوقوع في المحظور. وعلمت «الأخبار» أنه فور تداول معلومات عن توجه مشايخ من الشباب المسلم للخروج الى إدلب، قصد عدد من أهالي المخيم منازل عدد منهم لمطالبتهم بالرجوع عن قرارهم خشية من تأزم الوضع في حال غيابهم لكون بعضهم صمام أمان وكلمته مسموعة في صفوف باقي الإسلاميين.