للمرّة الأولى منذ سنوات، لم تُثر الدعوة إلى جلسات الثقة في المجلس النيابي شهية أحد. على عكس السائد، بدا الهدوء في مجلس النواب ومحيطه مدوّياً. حتّى مثول الرئيس سعد الحريري بعد 7 سنوات أمام الهيئة العامة كرئيس للحكومة لم يكُن حدثاً بحدّ ذاته. فهو دخل إلى القاعة العامة والثقة في جيبه. ليس عدد النواب الذين سيمنحونه إياها مهماً، ما دام القرار السياسي الصادر من خارج المجلس قد «صُدّق»، وبالتالي ليس مهماً أيضاً مضمون كل الكلمات التي أدلى بها النواب، ما دامت النتيجة التي ستقفل عليها جلسات الثقة معروفة سلفاً.
لم يُدرك الحريري لماذا أتعب بعض النواب أنفسهم بإلقاء خطابات «النقد» الشكلي لبيان حكومته، فلم يتركوا شاردة وواردة إلا وأشاروا إليها قبل أن ينتهوا إلى إعطائه الثقة. وهو، أكثر من مرة، فرك جفنيه بكسل بعدما كاد أن يغفو. والنُّعاس لم يكن حكراً على رئيس الحكومة وحده، في ضوء رتابة المداخلات وتكرار النقاشات. وعليه، لم يعُد ضبط نواب نصف نيام على مقاعدهم أو يخربشون على الأوراق أمامهم أو يلهون بهواتفهم جرماً مشهوداً. جلستا اليوم الأول كادتا أن تكونا بلا طعم أو لون أو رائحة، لولا سجال النائبين خالد الضاهر ورياض رحال.
قلة الحيوية عند النواب وعدم الاهتمام بالبيان الوزاري كانا بارزين. ومع تقدّم الوقت بدأ عدد النواب بالتراجع، بعد أن تعاقب ممثلو الأمة على كلمات لا تقدّم ولا تؤخر. تعاطوا مع الحكومة وكأنها «تعيش أبداً». من معضلة النازحين السوريين، إلى الانفلات الأمني، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي والملفات المعيشية والاجتماعية، جاءت الخطابات النيابية باهتة وتقليدية، تكرر ما قيل في جلسات سابقة، وليست أكثر من محاولات استعراض للأفكار الشخصية، وهدر للوقت في كلام إنشائي. وختام الجلستين لم يكُن مِسكاً، بل «مرجلة» اعتاد النائب سامي الجميّل ممارستها، يسمّيها معارضة، وهي ليست أكثر من سخط على البقاء خارج القطار الحكومي. في الظاهر، تبدو العناوين الكبيرة التي يطرحها «الفتى» في إطلالاته «الصاخبة» محقّة، إذا ما نظرنا إليها من وجهة نظر الفريق «السيادي» الذي انسلخ بعض مكوناته عن بعضها الآخر. أما من وجهة نظر الآخرين، فهي ليست سوى «علاك مصدي»، يقيم به الجميِّل « الموتى من القبور». مع ذلك، لم يفلح رئيس حزب الكتائب في جرّ زملائه إلى النقاش السياسي، لا بل كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن ينهي التلميذ «الشاطر» مداخلته لرفع الجلسة ومغادرة القاعة. عند التاسعة والنصف، كان للنواب ما أرادوه. انتهى اليوم الأول مع كلام 22 نائباً، على أن يكون الاستماع اليوم إلى أجوبة رئيس الحكومة والتصويت على الثقة. وكان لافتاً أن النواب والكتل لم يلتزموا ما اتُّفق عليه قبل دخول القاعة. فبعد أن كان عدد طالبي الكلام كبيراً، اتُّفِق على الاكتفاء بنائب واحد ممثل عن كتلته، لكن بعدما خرج نواب تكتل التغيير والإصلاح عن الاتفاق، وتحدث ثلاثة منهم، اعترض النائب عاصم عراجي. وعليه، جرى التوافق على حق أي نائب بطلب الكلام، وإن كان قد شطب اسمه عن لائحة طالبي الكلام. وكان الرئيس نبيه بري قد بدأ بتعيين نواب بدلاً من النواب الذين أصبحوا وزراء، وأشار إلى أن «نسخة البيان الموجودة بين أيدي النواب فيها بعض الأخطاء المطبعية، أو بعض العبارات التي سقطت سهواً، مطالباً باستبدالها»، وهي استخدام عبارة «المنطقة الاقتصادية الخاصة، بدلاً من المناطق المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي».