كل من يناقش بجدية قانون الانتخاب، في هذه المرحلة، يتوقف عند نقطة جوهرية: ما الذي يريده تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري من هذا القانون، واستطراداً، هل يرغب فعلاً في إجراء الانتخابات النيابية بعد أشهر من الجدل العقيم حول القانون؟
يرمي مؤيدو الحريري كرة تعطيل قانون الانتخاب عند حزب الله، الذي يرفع سقف التحديات بمطالبته بالنسبية الكاملة، واضعاً شرطاً تعجيزياً أمام المستقبل، وهو ما يثبت في رأي هؤلاء أن الحزب لا يريد انتخابات قبل تبلور صورة الوضع الإقليمي والسوري. لكن، هل هذا يعني أن الحريري متعطش لإجراء الانتخابات بأي ثمن؟ وأي قانون يرغب رئيس الحكومة فيه، ولماذا؟ علماً بأن الحريري هو الوحيد الذي لم يقل، صراحة وبوضوح، أي قانون يريد، رغم انعقاد عشرات الجلسات الحوارية الخاصة بمناقشة قانون الانتخاب.
تقول معلومات مطلعين على المفاوضات الجارية إن الحريري لا يزال عند موقفه المبدئي بتأجيل الانتخابات سنة على الأقل. ولا تزال خلفياته نفسها التي كانت قبل شهور: سنة التأجيل ضرورية لشدّ عصب جمهور المستقبل وإعادة وصل ما انقطع وضخ مزيد من الأموال الضرورية في الشارع، لأن الأشهر القليلة من عمر وجوده في السرايا الحكومية قبل إجراء الانتخابات هذه السنة، لن تكون كافية لتزخيم سياسي ومالي وجماهيري يساعد في فوز المستقبل بالانتخابات على الأقل في الشارع السني. فالحريري لا يريد أقل من فوز عام 2009، ولذلك لا بد من سحب «البساط السني» من تحت كل خصم له. وهو يدرك جيداً أن معركته ليست مع الذين يتمتعون برعاية قوى 8 آذار، إنما مع أولئك الذين ينالون رضى سعودياً وخليجياً تظهر تجلياته في بيئتهم في شكل واضح، ولا سيما الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي وغيرهما من شخصيات شمالية.
لكن بقدر رغبة الحريري في تأجيل الانتخابات، فإنه بات واثقاً بأن رئيس الجمهورية لن يقبل إلا مكرهاً بتأجيل تقني، ويرفض نهائياً أي بحث في تمديد ولاية المجلس سنة جديدة، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة للانتقال الى البحث الجدي لاستكشاف مرحلة ما بعد الانتخابات، والسعي الى تحقيق مكسب أساسي وحيوي قبل إجرائها. لم يقل الحريري صراحة، منذ اليوم الأول للحوارات، أي قانون يريد، ومن يناقش معه يعرف أنه تخلّى عن المشروع المختلط الذي صاغه مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، حتى قبل أن يوقّع عليه، رغم أنه لا يزال يستخدمه كواجهة.

«تضحية» الحريري بمقاعده المسيحية واردة إذا تقاضى الثمن من حزب الله لا غيره

قبل عودته الى لبنان، ترك الحريري هامشاً كبيراً للمناورة: يرفع التيار الوطني والقوات لواء المشروع الأرثوذكسي فيتمسّك بالمختلط، ويرفع حزب الله والرئيس نبيه بري شعار النسبية الكاملة فينادي بإسقاط السلاح. لكن عودته إلى السرايا الحكومية، واقتراب نهاية ولاية المجلس الممددة وإصرار التيار الوطني الحر والقوات على قانون جديد، كلها عوامل ساهمت في وضع جدول أعمال جديد على الطاولة. يريد الحريري أن يتقدم النقاش حول المشاريع المطروحة بجدية، لكن إرادته نابعة من رغبته في الحصول على ضمانات تشبه تلك التي حصل عليها قبل التسوية الرئاسية. وهو يسعى، بحسب المعلومات، الى كلام جدي مع حزب الله تحديداً، إذا ما أراد إجراء صفقة كاملة تضمن عودة لا غبار عليها الى السرايا الحكومية، حتى لو كان البعض يعتبر أنها في الشكل شبه مضمونة، بفعل ترتيب إقليمي وضمان باستمرار الاستقرار في لبنان. لكن الحريري لا يريد ترك الباب مفتوحاً أمام أي مفاجآت غير محسوبة، ولا سيما في ظل أوضاع إقليمية غير مستقرة، وتحاشياً لأي تطورات في سوريا يمكن أن ترتد تعزيزاً لوضع حزب الله في لبنان. وفي مقابل الاستمرار في جلسات ماراتونية من دون أي تقدم، فإن أي استعداد جدي من جانبه للتقدم جدياً في نقاش قانون الانتخاب والذهاب الى إنجازه سريعاً، على غرار إجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة، يرتبط بكلام واضح مع الحزب لأنه الوحيد القادر على إعطاء مثل هذه الضمانة لعودته الى السرايا الحكومية. ولذا ترك النقاش مفتوحاً حول النسبية وفق مشروع الرئيس نجيب ميقاتي مع البحث في بعض التعديلات. وهو المشروع الأوفر حظاً للتطبيق، في ظل شبه توافق عليه. وهذا يعني أنه مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية إذا ما جرت على أساس النسبية في مشروع ميقاتي معدلاً، فإن الحريري سيكون رئيس الحكومة مهما كان شكل كتلته النيابية وعددها، علماً بأن الحريري لا يواجه فقط مأزق استعادة حصته السنية، بل حصته «المسيحية» التي يريد التيار والقوات استعادتها، ما يجعله ينطلق في المعركة خاسراً لهذه المقاعد. وهو لا يفوّت فرصة كي يرسل رسائل الى حلفائه وخصومه بأنه لن يتنازل عن هذه المقاعد، وإذا ما قبل التضحية بها، في قانون انتخاب غير مضمون النتائج، فلكي يقبض ثمنها مسبقاً، على أن يعطيه حزب الله، لا غيره، هذا الثمن.