ما الذي يدفع إسرائيل الى «الكشف» عمّا لديها من تقديرات تتعلق بقدرات حزب الله العسكرية؟ سؤال يطرح يومياً نتيجة «الكشف شبه اليومي» لتقديرات تل أبيب، عبر مسؤوليها وإعلامها.
السؤال بات أكثر حضوراً في الفترة الاخيرة، مع تزايد التقارير العبرية حول سلاح حزب الله، مع الأخذ في الاعتبار أن أي تقرير يتعلق بـ»التهديد الاستراتيجي الاول» لإسرائيل لا يصدر إلا بإذن من الرقابة العسكرية، أو بالتوافق مع استراتيجيتها.
قد تكون الإجابة غير بعيدة عن ثلاثة اتجاهات:
ــــ تسعى إسرائيل، بصورة شبه دائمة منذ عام 2006، لإفهام حزب الله أن استخباراتها تركض خلف تعاظمه العسكري، وأنها تدرك حجم قدراته هذه وحضورها في المعادلات القائمة، وهي تتجهز لمواجهتها. هذا الاتجاه يخدم رفع مستوى الردع، ويهدف الى التأثير في وعي حزب الله لمنعه من تفعيل قدراته.
ــــ في الوقت نفسه، يهدف «الكشف الدوري» عن السلاح الى التوغل عميقاً في الوعي الجمعي الاسرائيلي، وإفهام المستوطنين أن مستوى «اليقظة الاستخبارية» لدى مؤسستهم العسكرية والاستخبارية، يسمح لهم بالشعور النسبي بالأمان. وكما هو معتاد، يتلازم الكشف عن قدرات محددة لدى حزب الله بالتأكيد المقابل على الجاهزية الاسرائيلية.

أغلب منظومات الأسلحة الموجودة في إيران نقلت الى حزب الله

ــــ نظرياً، قد يهدف «الكشف» الى تهيئة الظرف السياسي الدولي والداخلي في إسرائيل لاعتداءات مقبلة، وذلك عبر تركيز الضوء على التهديد الكامن في لبنان، لإضفاء «شرعية» مسبقة على هذه الاعتداءات عبر الحديث عن السلاح وحجم تهديده. هو اتجاه افتراضي ممكن، رغم أن الظروف السياسية الدولية والداخلية في إسرائيل مشبعة أساساً بـ»الشرعية»، منذ سنوات.
مع ذلك، قد تكون التصريحات والمقاربة الاعلامية العبرية، و»الكشف الدوري للقدرات»، خليطاً من الاتجاهات الثلاثة. واضح أن حالة «اللايقين» هي الأكثر تحكماً في التقديرات السائدة في تل أبيب، وتحديداً جراء التطورات الاخيرة في المنطقة وصعوبة تقدير وجهتها النهائية، وبالأخص بما يشمل الساحة السورية، وتبعاً لها الساحة اللبنانية، بمعنى أن إسرائيل تسعى في هذه الفترة الى رفع مستوى ردعها أولاً، وطمأنة المستوطنين الى جاهزيتها ثانياً. وفي الموازاة، الاستعداد لمواجهة فرضيات متطرفة قد تكون نتيجة طبيعية لحالة «اللايقين»، وهي قد تأتي حكماً، أيضاً، نتيجة مغامرة ما قد تقدم عليها.
كيفما اتفق، الى الآن، الردع المتبادل قائم بين الجانبين، ونتيجته ملموسة منذ سنوات، وما زالت: ردع إسرائيل عن مقاربة الساحة اللبنانية عسكرياً. وهو نجاح لسلاح المقاومة، وتعاظمه كمّاً نوعاً ودقة إصابة. من جديد، هذا السلاح الذي يدفع إسرائيل ويحفّزها الى «معالجته»، هو نفسه الذي يردعها.
بحرية حزب الله
بعد «الكشف» الاسرائيلي عن امتلاك حزب الله صواريخ «ياخونت»، الأكثر تطوراً ضد الاهداف البحرية على أنواعها، «كشفت» إسرائيل أمس عن تقديراتها للقدرات البحرية لحزب الله. التقرير الذي أصدره موقع «واللا» العبري، ركز الضوء على هذه القدرات وفقاً للتقديرات الاستخبارية. ولفت الى أن هذه القدرة البحرية تنضم الى ترسانة الصواريخ الأكبر في الشرق الاوسط، والى قدرات جوية تتركز على طائرات مسيّرة من إنتاج إيراني. وأشار التقرير الى أن القدرة البحرية تتعاظم أيضاً، كما غيرها من الأسلحة الموجودة لدى حزب الله، لكن بعيداً عن الاضواء. فالحزب معنيّ، على نقيض حماس، بأن لا يصدر عنه أي منشور أو أفلام دعائية للوحدة البحرية التابعة له.
قدرات حزب الله على الحلبة البحرية لا تقتصر فقط على صواريخ C-802 التي استهدفت البارجة الحربية الاسرائيلية عام 2006. من حينه، عمد حزب الله الى مراكمة القدرة، بما يشمل صواريخ بر ــ بحر ورادارات تشغيل وكشف، بما بات يشكل تهديداً للمنشآت الغازية وقطع سلاح البحرية الاسرائيليين، وكذلك السفن التجارية التي تشكل أنبوب أوكسجين إسرائيل، إذ إن 90% من الاستيراد الإسرائيلي يصل عن طريق البحر.
المؤسسة الأمنية في إسرائيل تعمل وفقاً للمعادلة الآتية: أغلب منظومات الأسلحة الموجودة في إيران نقلت الى حزب الله في لبنان، علماً بأن إيران تطور تكنولوجيا ووسائل قتالية، بما يشمل قطعاً بحرية فوق الماء وتحته، وهو ما يبدو أنه نقل الى لبنان كجزء من سباق التسلح للحرب المستقبلية.
قدرات حزب الله البحرية لا ترتكز فقط على العامل الدفاعي، بل أيضاً على الاستراتيجيا الهجومية، إذ يعدّ الحزب نفسه لـ»هجوم أسراب» بزوارق سريعة «ذو الفقار»، وهي قطعة بحرية طولها سبعة عشر متراً، ووزنها 22 طناً، وتتحرك بسرعة أربعين عقدة، ومسلحة بأنواع مختلفة من الوسائل القتالية، تم عرضها أخيراً خلال مناورة هجومية إيرانية على سفينة تجارية، حاكت حاملة طائرات.
بناءً على ذلك، يشير الموقع الى أن حزب الله قد لا يكتفي في الحرب المقبلة بإطلاق صواريخ بر – بحر على السفن والمنشآت البحرية الاسرائيلية، بل قد يعمد الى شنّ «هجوم انقضاض» على قطع بحرية عسكرية إسرائيلية، وكذلك إبرار (إنزال من البحر إلى البر) على الساحل الإسرائيلي.