أعطى النائب وليد جنبلاط حجة ــــ مع ان الرئيس نبيه بري يصفها بـ»الخطأ» ــــ للافرقاء الآخرين الذين يتمسكون بقانون 2008 سراً كي يجهروا بأنهم لا يذهبون الى انتخابات 2017 لا يتقدمهم فيها جنبلاط. في الظاهر يقفون وراء هواجسه ومخاوفه، بيد انهم يُضمرون الاصرار على هذا القانون الذي يقودهم الى احد خيارين: اجراء انتخابات 2017 وفق أحكامه، أو تبرير تمديد لبضعة اشهر يقترن بتعهد وضع قانون جديد للانتخاب من غير التيقن تماماً من وضع هذا القانون.
وهي الحجة التي آلت الى تمديدي 2013 و2014. إذذاك، سيّان أجريت الانتخابات بالقانون النافذ او صار الى تمديد ثالث بذرائع مختلفة، ما دامت النتيجة نفسها: تكريس بقاء قانون 2008 وطي صفحة رفضه نهائياً. القاعدة الجديدة للجدل السياسي الدائر اليوم. بل لعلّ المثير في الامر أن كل مَن كان يرفع النبرة ضد القانون النافذ ويصرّ على إعلان دفنه، وعلى رفض المشاركة في انتخابات طبقاً لأحكامه، في هذا الفريق او ذاك، لم يعد يفكر سوى في ارضاء الزعيم الدرزي.
ولأن الخيارات الاخرى أغلقت كلياً تقريباً، تذهب كل الرسائل والاشارات المتبادلة من الآن، من جنبلاط الى الافرقاء الآخرين، ومنهم اليه، كما من كل منهم الى الآخر، في وجهة سبل ارساء تفاهمات مبكرة على التحالفات الانتخابية تحسم سلفاً نتائج الانتخابات، من غير ان يُهزم احد، تبعاً لمعطيات من بينها:
1 ــــ عندما أصر جنبلاط على التمسك بحصته الحالية في المقاعد، لا يمنحه إياها الا قانون 2008، بالابقاء على دوائر جبل لبنان على ما كانت عليه في قانون 1960 ولا تزال، مروراً بانتخابات 1992 و1996 وصولاً الى قانون 2000 بفروق ضئيلة، لا يكتفي بتحديدها فحسب، بل يرسم سلفاً الحدّين الأقصى والأدنى للتنازلات التي يسعه تقديمها في انتخابات 2017 وفق القانون النافذ، الأقل إضراراً به من سائر الصيغ المتداولة: مع حلفاء يثق بهم كرئيس مجلس النواب نبيه بري (في مرجعيون ــــ حاصبيا) وتيار المستقبل (في الشوف وبيروت والبقاع الغربي)، وآخرين يجد نفسه مرغماً على التحالف معهم كحزبي الكتائب والقوات اللبنانية (عاليه والشوف) وثالثين لا يسعه التحلل من التحالف معهم كحزب الله (بعبدا) والتيار الوطني الحر اذ يبصره يضع هذه المرة قدماً في قصر بعبدا واخرى في معراب (بعبدا وعاليه والشوف).

يذهب الاطراف الى استحقاق 2017 بتفاهمات مبكرة على صورة انتخاب عون

على صورة التحالفات الانتخابية في الجبل هذه، يترتب بناء التفاهمات المبكرة في الدوائر الاخرى.
2 ــــ لن تفضي انتخابات 2017 الى نتائج معاكسة لانتخابات 2009 في ظل قانون الانتخاب نفسه، ولا الى قلب موازين القوى رأساً على عقب على نحو ما ساد في انتخابات 2005، ثم لبعض الوقت في انتخابات 2009، في الرهان على ان غالبية نيابية من شأنها ان تضع بين ايدي الفريق الذي يمسك بها كل السلطات. واقع الامر، خلافاً لما يستبق انتخابات 2017، لا احد يتحدث عن سعيه الى اكثرية مطلقة حتى، او يرفع اللهجة كي يقول انها مصيرية بالنسبة اليه. انتخابات لا موالاة فيها ولا معارضة. لا احد خصماً لاحد.
3 ــــ يذهب الافرقاء الى انتخابات 2017 بجيوب خاوية فارغة من النقود، لا مقدرة لأحد على الانفاق عليها، ولا يتوقع من الدول الثرية ان تمدّه بالمال كي ترجح فريقاً على آخر. بالتأكيد لن يستأجر احد هذه المرة طائرات تقل مهاجرين ومغتربين كي يحضروا للاقتراع وجمع العدد الاكبر من الاصوات للفوز بالغالبية الوهمية. ليس المال وحده ما يفتقرون اليه فحسب. بل ايضاً الشعارات الحامية وعناوين «قضية» لم تعد موجودة عند هذا الفريق او ذاك، وخصوصاً بعد انطفاء قوى 8 و14 آذار. لا اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يزال «قضية،» ولا المحكمة الدولية، ولا الاغتيالات السياسية التي سبقت انتخابات 2005 و2009 او تلتها لدى الحلفاء المنضوين سابقاً في قوى 14 آذار، ولا تهديد سلاح المقاومة والارتهان الى الخارج والاستهداف لا تزال تصلح شعارات للفريق الآخر. بذلك يذهب الاطراف المختلفون الى استحقاق 2017 على صورة التفاهم الذي مهّد لانتخاب الرئيس ميشال عون وعودة الرئيس سعد الحريري الى الحكم وتأليف حكومته.
4 ــــ بعدما سلّم الافرقاء جميعاً بموازين قوى جديدة انبثقت من انتخابات الرئاسة على نحو أرست، للمرة الاولى منذ عام 2005، توازناً سياسياً متكافئاً حقيقياً ليس فيه ترجيح كفة على اخرى: في مقابل رئيس للجمهورية من قوى من 8 آذار رئيس للحكومة من قوى 14 آذار مع ان اياً منهما لا يتصرّف بوحي هذين الاصطفافين، تقع بينهما حكومة متوازنة يقيم فيها الطرفان نبذت سلفاً ما فرّق بينهما طوال اكثر من عقد من الزمن: سوريا ونظامها، سلاح حزب الله ومشاركته اخيراً في الحرب السورية، السياسة الخارجية والعلاقة مع كل من السعودية وايران، النزاع على المحكمة الدولية وتمويلها. الاصح انه التوازن الامثل الذي يتيح اوسع استقرار سياسي وامني. اما والحال هذه، فلا يحتاج احد داخل هذا الائتلاف العريض المستجد منذ 31 تشرين الاول الى التنافس مع الآخر على انتخابات نيابية وتسعير العصبيات المذهبية، ولا الى استنفار الشارع وشعارات التخوين والتهديد والتشهير، ولا حتماً الى المال.
5 ــــ لا أحد ذاهب الى حروب كبيرة في انتخابات 2017، بل الى انتخابات صغيرة في ما بين الحلفاء: ما بين الحريري والوزير السابق اشرف ريفي في طرابلس والشمال، ما بين الثنائية المسيحية الجديدة (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) ومنافسيها في الاقضية المسيحية كحزب الكتائب والنائب سليمان فرنجيه والنواب المستقلين والعائلات والزعامات المحلية كحال زحلة والنائب ميشال المر في المتن، وما بين الثنائية المسيحية والافرقاء غير المسيحيين ذوي التأثير الانتخابي في دوائر لا تزال تحمل في جعبتها الإرث السوري الذي خلّفته لها حقبة التسعينات وصولا الى عام 2005 بوضع اليد على مقاعد مسيحية بناخبين مسيحيين كحال مقاعد مسيحية في بيروت الاولى وزحلة والكورة وعاليه والشوف. بذلك تقبل انتخابات 2017 على كمّ لا يستهان من الترضيات المسبقة.