لم تنسحب الأزمة الإدارية والمالية الحادّة التي تمرّ بها شركة «سعودي أوجيه» المملوكة من الرئيس سعد الحريري، وتراجع الدعم السعودي له، على «إمبراطوريته» السياسية والإعلامية في لبنان حصراً. كل زاوية ترتبط بالهيكل الحريري خارج لبنان نالت حصتها من هذه الأزمة، وبدأت مشاكلها تتوالى فصولاً. وكانت لإذاعة «الشرق» في باريس وموظفيها حصّة من المعاناة، بدأت تظهر إلى السطح جلياً عام 2010، حين شهدت أول إضراب إحتجاجاً على خطّة تقشفية قضت بتسريح نصف العاملين فيها، وأصبحت حديث الوسط الإعلامي في فرنسا آنذاك.وبعدما انطفأت «فضائحها» لفترة طويلة، عادت الإذاعة إلى الواجهة من باب القضاء الفرنسي.
المحكمة التجارية الفرنسية ستفصل في مساعدة الاذاعة أو إجبارها على إشهار إفلاسها
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، «لجأ المدير العام للإذاعة جميل شلق إلى المحكمة التجارية في فرنسا، لمساعدته على حلّ المشكلة الإدارية والمالية للمؤسسة بعد تراجع الإعلانات، وعجز الرئيس الحريري عن المساعدة». ومن المعروف أن اللجوء إلى مثل هذه المحاكم يجري، عادة، اذا كانت المؤسسة عازمة على طرد موظفين ولا تستطيع دفع تعويضات لهم (علماً أن عددهم حالياً لا يتجاوز العشرين موظفاً)، وإما أنها تريد أن تشهر إفلاسها». وحصلت «الأخبار» على «وثيقة قانونية تبلغ فيها المحكمة المعنيين أن شلق سيعقد، بناء على طلب من رئيس المحكمة، اجتماعاً مع الموظفين لاختيار الأشخاص المخولين الإستماع إليهم من قبل المحكمة، بحسب المادة ( l-621-1) من القانون التجاري، وأن هؤلاء الأشخاص سيستدعون للمثول أمامها». وبحسب مصادر مطلعة، فإن شلق "لم ينسق مع الرئيس الحريري، وهو يريد أن يرفع عن نفسه المسؤولية"، كما يريد "تحصيل حقوقه قبل الموظفين". كما علمت "الأخبار" أن اول جلسة ستعقدها المحكمة ستكون غداً "وسيقدم المدير العام خلال الجلسة رؤيته لكيفية استمرار الاذاعة وحل أزمتها المالية وإعادة هيكلتها، وسينتظر قرار القاضي الذي سيدرس الطلب، فإما أن تساعد المحكمة الاذاعة واما تدفعها الى اعلان الافلاس".
وبالاضافة الى الأزمة المالية يشكو موظفون من "العلاقة غير الجيدة مع المدير العام، ما يؤثر سلباً في بيئة العمل الذي يخضع لمدى قرب الموظف من المدير». ويشير أحد الذين طردوا من المؤسسة الى أنه حتى الذين استمروا في العمل بعد عمليات الطرد ووصفتهم السيدة نازك الحريري بأنهم «الأوادم والمخلصون»، لم يسلموا من الإجراءات التعسفية، وقد «طرد بعضهم في ما بعد، وجمدت رواتب البعض الآخر وخفضت التغطية الصحية وألغيت كل مكتسباتهم الوظيفية».
ظروف الموظفين داخل إذاعة الشرق في باريس أفضل من ظروف زملائهم في كل المؤسسات التابعة للحريري في لبنان. لكن تبقى لهم «حظوة» لكونهم مقيمين في بلد يستطيعون فيه اللجوء إلى مؤسسات الدولة لتحصيل حقوقهم.
وكان الرئيس الراحل رفيق الحريري قد اشترى الاذاعة منتصف التسعينات من مؤسسها رغيد الشمّاع. وكانت حينها من أقوى وسائل الإعلام العربية في أوروبا، وعيّن مستشار (الرئيس الحريري) الصحافي هاني حمّود مديراً عاماً لها. وبدأ الأخير عهده بالخلاف مع عدد لا يستهان به من الموظفين، كما اصطدم بالنقابات المعنية بعد إعداده مشروع صرف عدد من الموظفين فشل حينها تحت الضغط، قبل أن يستدعى الى بيروت ويعمل الى جانب الرئيس الحريري. واستمرت المؤسسة في مسارها الإذاعي، وتعاقبت عليها الإدارات، وشهدت بحبوحة مالية، حين كانت الأموال تصل من بيروت عبر شركات قيل إنها تشتري البرامج لاعادة بثها في لبنان والشرق الأوسط. ولكن مع كل مطب مالي كانت الإدارة تلجأ الى التوفير عبر صرف عدد اضافي من الموظفين. وهذا ما حصل أواخر عام 2010 عندما تفاقمت الأزمة الناتجة من «انخفاض كبير للعائدات الإعلانية»، وخصوصاً أن «دخل الإذاعة المالي يتأتى من مصدرين: الإعلانات التي تمثّل 20 في المئة من الدخل، وبيع البرامج». وقضت الأزمة بتنفيذ خطّة تقشف طاولت 35 موظفاً من أصل 70، مقابل تعويضات مالية. هذا الإجراء، دفع بالموظفين الى الإضراب، اعلنوا خلاله أن مشكلتهم تكمن في الرواتب العالية التي يتقاضاها أقطاب الإذاعة، وأن سياستهم المالية هي التي تؤدي بالإذاعة الى حافة الإفلاس»، مطالبين بـ «حماية الإرث الإعلامي للرئيس الشهيد». وبعد استفحال الخلاف، بسبب ما عده الموظفون حينها «ظلما» لأن خطة الصرف تضحي بذوي الرواتب المتدنية وتبقي ذوي الرواتب المرتفعة، تظاهر الموظفون أمام قصر الحريري الباريسي، مشيرين الى أن ما يحصل «تصفية للحسابات مع الموظفين الذين رفعوا الصوت ضد سياسة الإذاعة المالية والمهنية ونقلوا ما يحصل داخل المؤسسة الى اصحاب الشأن والرأي العام والنقابات». والغريب أن الإداريين كانوا يبررون هذه الخطة وتراجع نسبة الإعلانات بأن «المعلنين يفضلون التعامل مع الإذاعات الواسعة الانتشار»، علماً أن «إذاعة الشرق كانت قد وسعت بثها من 6 محطات الى 18 محطة، وزاد عدد مستمعيها من 0,6 الى 1,4 في المئة من المستمعين داخل فرنسا وحدها».