"إن هذا النص هو من بنات أفكار كاتبه، وليس لما هو وارد فيه أي علاقة بحزب الله أو التيار الوطني الحر أو سوريا أو إيران. وأي تشابه في الوقائع، أو تقاطع في الأفكار، هو مجرد صدفة. لذلك وجب التوضيح".

لنحسم أولاً أمراً، فنخرجه من النقاش. أنت تفضّل جان عبيد رئيساً للجمهورية. فهو الأقرب الى عقلك. والرجل له تاريخه وحاضره السياسي بما يؤهّله لهذا المنصب. وهو لديه الخبرة السياسية الكبيرة بأحوال البلاد والمنطقة؛ عاصر وعاش مع الكبار الذين رحلوا أو لا يزالون على قيد الحياة، في لبنان والمنطقة أيضاً. كذلك هو على مسافة مقبولة من غالبية القوى المتنازعة في البلاد، ولا يمكن أحداً التشكيك في وطنيته. وهو يحلم، أيضاً، ببناء دولة تعتني بجميع مواطنيها. وهو، أيضاً وأيضاً، عروبي غير طائفي، يعرف مكانة لبنان في الصراع مع العدو، ويعرف مشكلة الدولة مع القوى الطائفية التي تنهشها.
لكن جان عبيد قال لصديقه ميشال عون، مرات ومرات، إنه لن يعلن ترشيحاً رسمياً ما دام الجنرال يخوض السباق. هذا لا يعني أن عبيد يرفض انتخابه لو أصرّ عون على ترشيحه. وعبيد، الذي يقبل ببعض قواعد اللعبة، قرر عن سابق قصد ألا يكون مرشحاً مستفزاً لأحد في لحظة الغموض الرئاسية. وأنا، كما كثيرون، سنسرّ كثيراً لو أن زميلنا جان صار رئيساً للجمهورية.
حسناً، لننتقل الآن الى جدول الأعمال الساخن. على الطاولة، اسم ميشال عون كمرشح هو الأقوى. صحيح أنه ليس "على مسافة واحدة من الجميع"، لكنه يمثل مركز القوة في وقائع لبنان وإقليمه. هو الشخصية الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين. وبسبب موقفه السياسي، لديه تمثيل أقلية معتبرة عند السنّة والدروز، ويحظى بشعبية كبيرة جداً عند الشيعة. وهو رئيس واحدة من أكبر الكتل النيابية. وهو أحد خمسة لاعبين كبار يحملون بطاقة الفيتو. وفوق ذلك، لديه حليف استثنائي في قوته ونفوذه، هو حزب الله الذي يمثل اليوم القوة الشعبية والحزبية الأبرز في المنطقة وليس في بلاد الشام فقط. وعون، يحظى، أيضاً، بدعم غالبية واضحة في مؤسسات من أُسس لبنان، من الكنيسة والجيش ورجال الاعمال. ورغم كل الحملات التي تعرض لها، أو الأخطاء التي ارتكبها، منذ ربع قرن الى الآن، فإنه نجح في الصمود أمام أكبر موجة ضغط، لبنانية وعربية ودولية. وهو، في هذه اللحظة، الأكثر استقراراً وثباتاً بين المرشحين للرئاسة.
أنت يا أستاذ نبيه لا تريد عون رئيساً. لديك أسبابك. وليس لأحد إلزامك بتغيير اقتناعاتك. زد على ذلك، أنك لا ترى عون مناسباً للحظة لبنان الحالية. أنت تقول إن البلاد تريد رئيساً تقبل به الغالبية، لا رئيساً تفرضه غالبية على أقلية. وأنت تخشى من أن عون لن يقدر على جمع اللبنانيين إذا ما وصل الى بعبدا.
لكنك تخشى، أيضاً، أن عون قد يتسبب في اهتزاز التركيبة التي قامت بعد خسارة المسيحية السياسية للحرب الاهلية في لبنان، وأنه قد يتسبّب في مشكلة جديدة مع المسلمين، حيث يصاب السنّة بإحباط ممّن يُفقدهم جزءاً من سلطتهم على مؤسسة الحكومة التنفيذية، ويتسبب في "وجع رأس" للشيعة إذا ما قرر خوض المعارك مع السلطة التشريعية، وأنه فوق كل ذلك، سيعيد، بالعرف، لا بالقانون، سلطات الى رئاسة الجمهورية سبق أن ألغاها اتفاق الطائف، عدا عن كونك تعتقد أن عون سيكون في صدام مع طبقة سياسية واقتصادية مسيحية، من الذين تعايشوا مع نظام الطائف.
لنفترض أن كل ذلك صحيح. فماذا يعني أنك تخوض معركة منع وصول عون الى بعبدا، لا أن تكتفي بمعارضة ذلك؟ وكيف ستقوم بهذ المعركة، وبأيّ وسائل، وماذا ستحقق؟
ليس من داع للضرب في المندل، ولا للغرق في التقديرات والتأويلات والتحليلات. لكن، ثمة داع للبحث في الأسباب الموجبة لهذه المعركة، وفي أدواتها، وفي ما ستتسبب به محلياً وإقليمياً، وربما ما هو أكثر.
تعرف يا أستاذ نبيه أن الاضطهاد الذي تعرض له عون، بعد عام 2006، له أسبابه المختلفة عن الذي تعرض له قبل ذلك التاريخ. تعرف، جيداً، أن عون يعاقب من قبل جهات خارجية يتقدمها الغرب، وجهات عربية تتقدمها السعودية، وجهات محلية تتقدمها قوى 14 آذار على اختلاف مذاهبها. وهو عقاب سببه الرئيسي ليس فقط رفضه طريقة إدارة الدولة، بل أساسه قراره الاستراتيجي، الوقوف الى جانب المقاومة في لبنان، ومدّ جسور التواصل مع قوى عربية قريبة من المقاومة، ثم إعلانه الوقوف الى جانب الدولة السورية في مواجهة حرب التدمير التي تشنها القوى نفسها التي تتآمر على المقاومة في لبنان. فقط، وللتذكير، فإن وثائق وزارة الخارجية الاميركية المسرّبة (ويكيليكس) تظهر أن ميشال عون، ومعه جبران باسيل، دافعا من دون أيّ تردد عن المقاومة. وأنت تعرف أن كل الاطراف الآخرين كانوا شركاء في الحرب.
فماذا أنت فاعل؟
أستاذ نبيه، وأنت صاحب النفوذ في منطقة الضاحية، وفي بلاد جبيل، وفي الجنوب، وفي البقاع، تعرف جيداً أن تفاهم العماد عون مع حزب الله صار رصيداً في حساب كل شيعة لبنان. والكل لا يريد أن يصدق أنه، منذ ذلك التاريخ، لم تحصل مشكلة بين أهالي هذه المناطق من الشيعة والمسيحيين، وغيرهم من الطوائف.
عون نجح، بنتيجة أعلى من الجميع، في حفظ قضية ومصالح وحاجات شيعة لبنان، الذين تمثل أنت رأس فريقهم الرسمي. أكثر من ذلك، فإن عون قد يكون الوحيد من بين ساسة لبنان الذي أقنعه السيد حسن نصرالله بتجنّب المواجهة المباشرة أو الشاملة معك، أو مع حركة أمل، فقط لأنه مقتنع تماماً بأن وحدة الساحة الشيعية تمثل اليوم عنصر قوة لخيار المقاومة، وتالياً عنصر قوة للبنان.
فماذا أنت فاعل؟
تعرف يا أستاذ نبيه أنه عندما طلبت الولايات المتحدة والسعودية من فريق 14 آذار مواصلة التآمر على المقاومة، كان الوحيد الذي قبل التحدي. كان له دوره الحاسم في إسقاط حكومة الحريري، وهو الذي سهّل قبلها تسوية إيصال ميشال سليمان الى قصر بعبدا من دون مشكلة. وهو الذي لم يحرك أنصاره داخل الجيش أو قوى الامن في مواجهة قيادتي الجيش وقوى الامن اللتين تخاصمانه وتعملان ضده.
وتعرف أيضاً، يا أستاذ نبيه، كم كان ولا يزال باهظاً الثمن الذي يدفعه أبناء موسى الصدر، جرّاء وقوفهم الى جانب قضايا أمتهم. وأنت الذي تعرف، تماماً، حجم وقيمة التضحيات التي قدمتها سوريا، مع حافظ أو بشار الاسد، تعرف أن عون سار عكس تيار لبناني وعربي وعالمي، وقرر الوقوف الى جانب الدولة السورية، ولم تهزّه كل أنواع التهويلات والتهديدات. تصرّف عن اقتناع، وهو الذي يعرف أن سوريا لم تعد قادرة على الإتيان بمختار في لبنان. وهذه سوريا التي أنت منها، أيها الأستاذ العليم.
فماذا أنت فاعل؟
تعرف يا أستاذ نبيه أن استقرار الصيغة السياسية الحاكمة في لبنان صار شرطه تمثيلاً مسيحياً حقيقياً داخل السلطة، لا تمثيلاً مفروضاً على المسيحيين. وأنت الذي خضت معركة أن يختار الشيعة من يمثلونهم داخل الدولة، ومثلت، كما رفيق الحريري، في وقت ما، التعديل الجوهري في التمثيل الاسلامي داخل السلطة، كيف لك أن تقبل بأن يستمر إقصاء المسيحيين، من خلال منعهم من اختيار ممثليهم الحقيقيين؟ وكيف لك، وأنت صاحب العبارة المشهورة بأنه في حال قرر الأقطاب المحاصصة، فأنت تريد حصتك، وهي حصة للشيعة، كيف لك أن تقبل بأن لا يأخذ المسيحيون حصتهم من هذه الدولة؟
تعرف يا أستاذ نبيه أن جميع من على أرض هذه البلاد يعرف أن محاولة القفز فوق ما تمثله، أو تجاوزك، في أمور الدولة والقرارات الكبرى والتعيينات وتوزيعات مغانم الدولة، سيدفع الثمن غالياً، وستقلب الطاولات على رؤوس الجميع. ولم تكن تتحمل محاولة من رفيق الحريري أو إميل لحود لتعديل هذه القاعدة. فكيف لك أن تتصور صبر العماد عون على سلطة لم تجاره في شيء، وتمنع عليه حقه في الوصول إلى الرئاسة، وتمنع عليه المشاركة في اختيار قائد للجيش، أو حاكم لمصرف لبنان، أو مسؤول بارز في هذه المؤسسة أو تلك؟ ثم تتم دعوته الى مزيد من الصبر، والى التنازل، ولكن لمن؟ لحفنة من السارقين والطائفيين الذين يحترمون موقعك يا أستاذ نبيه، خوفاً لا اقتناعاً. وأنت تعرف أنهم حاولوا، ولا يزالون، إطاحتك من رئاسة المجلس النيابي، ولم يكن عون يوماً منهم.
فماذا أنت فاعل؟
طيب، أنت تريد عدم وصول عون الى بعبدا. فكيف تعتقد أنه يمكن مساعدة سعد الحريري لحفظ مكانته؟ هل تقبل بالسخافة التي تقول إن سير الحريري بعون مرشحاً سيقضي على شعبيته؟ هل دورك، هنا، مراعاة حالة التوتر السائدة لدى جمهور جراء أخطاء الحريري نفسه، أم ان واجبك، كما الآخرون، حماية من تصفونه أنتم، أهل الساسة، بممثل الاعتدال السنّي؟ وفوق ذلك، تعرف أن حزب الله محق في رفض عودة الحريري الى السلطة، فقط من باب المعاملة بالمثل، قبل أي اعتبار سياسي آخر. ولكنك تعرف أن حزب الله تنازل بصورة كبيرة عندما قبل بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة. فلماذا تفعل ذلك بالحريري لا بعون؟ وأنت تعرف، أيضاً، أنه سيكون صعباً إقصاء عون والإتيان بالحريري. والأهم، أن السؤال عن بقائك في رئاسة المجلس سيتحول سؤالاً عاماً، ولو من باب النكاية.
فماذا أنت فاعل؟
لا تريد عون رئيساً للجمهورية، وتفكر، في حال توافق الحريري مع حزب الله على القرار، بأن تقاطع الجلسة؟ هل ترى في ذلك فعلاً ديموقراطياً، أم تحاول تجربة الحرد والإحباط وأنت أول عدوّ لهذه العوارض؟ أم انك تريد إحراج حزب الله الذي تعرف أنه لن ينزل الى مجلس النواب من دونك. فلماذا تفعل ذلك مع الحزب لا مع عون نفسه، وأنت الذي يعرف أكثر من أي إنسان على وجه الارض، أنك بالنسبة الى الحزب، والى المقاومة، حاجة أبدية، وأن الحزب تنازل لك، ومستعد لمزيد من التنازل لك، من أجل حماية بيئة المقاومة المباشرة؟ وأنت تعرف، جيداً، أن حزب الله رفض ويرفض بصورة حاسمة وقاطعة أي نقاش نقدي لأداء فريقك داخل الدولة، أو لحركة أمل، ولا يكتفي بذلك، بل يقف عائقاً حقيقياً أمام كل من فكر ويفكر في مواجهتك.
أكثر من ذلك أن تفكر، بأنه في حال نزل عون الى الشارع، فستقابله في الشارع أيضاً، وتطلب من نقابيين عندك الاستعداد لاحتمال النزول الى الشارع، في حال نزل عون. فما الذي تفكر فيه؟ هل تريد المواجهة على الارض؟ هل تريد نسف تفاهم فشلت كل قوى الارض في تحطيمه منذ عشر سنوات الى اليوم، وكرمى لعيون من؟
ثمة أشياء كثيرة تقال في هذا المقام. لكن، لنختصر ونقل، إن السلطة التي تفترضها ستكون أكثر قوة مع ميشال عون؛ فهو المقتنع بقانون نسبي للانتخابات النيابية. وهو المقتنع بقانون ينظم أعمال مجلس الوزراء فيمنع تحويل مؤسسة القرار الاولى في لبنان الى إمارة لرئيسها ومن يمثل. وهو المقتنع بإعادة الاعتبار الى دولة الرعاية، المتنبّهة لحال مواطنيها. وعون قد يكون الوحيد من بينكم جميعاً، من عمل في مؤسسات الدولة منذ صغره، موظفاً وخادماً. وهو يعرف البلاد طولاً وعرضاً، ولم يسمع بقراها ومزارعها وحاراتها عبر الإعلام كحال أغلبية الحاكمين عندنا. وأنت تعرف أنه مع عون، لن تكون في حالة قلق على سياسة لبنان الخارجية، ولا على سياسته الدفاعية، وهو سيكون مواجِهاً حقيقياً لمشروع التوطين، وحريصاً أولاً على عودة النازحين السوريين الى بلادهم. وهو الذي يعشق تحول الجيش الى قوة قادرة، لكنه يعشق بقاء المقاومة سراً وعلناً، ولا يخشاها سلاحاً طائفياً كما يقول كثيرون من عملاء إسرائيل والغرب.
آخر الكلام، إن الخشية على مكتسبات عمرها ثلاثة عقود ليست من عون، بل من الآخرين، ومن أهل المكتسبات أنفسهم، وأنت الأدرى بحال بعض شيعتك وأنصارك!
والسلام