اختلطت الأمور في المتن الشمالي قبيل نحو أسبوع من موعد الانتخابات التمهيدية في التيار الوطني الحر لاختيار المرشحين إلى النيابة. ولم يعد يمكن الجزم إن كان ما يجري انتخابات أو "ديفيليه دو مود" (عرض أزياء) فايسبوكي لبعض المرشحين. فبعض هؤلاء الطامحين إلى النيابة لا يأبهون بطبيعة الحال لمواصفات النائب الذي يفترض أن يملك الحدّ الأدنى من الخلفية التشريعية ومتطلبات القضاء التربوية والطبية والاجتماعية والإنمائية، إضافة إلى ثقافة سياسية تخوله الصمود ومحاججة ذئاب المجلس النيابي. يكتفون هذه الأيام باستعراض صورهم بالبزات الأنيقة والابتسامة الهوليوودية مذيلة بعبارة: "بدنا دم جديد" أو مناضل منذ التسعينيات وملتزم بخط التيار. علّ المجلس النيابي يفتح فرعاً جديداً لعارضي الأزياء المتنيين الساعين وراء الشهرة.
يفترض بالنائب أن يكون مشرِّعا وإصلاحياً وملمّاً بالملفات السياسية ومتطلبات القضاء
هكذا، يظهر أمام الباحث عن المرشحين ثلاثة عارضين يتسلحون بمشاريع متشابهة: الأول يدعى إبراهيم الملاح (مرشح عن أحد المقاعد المارونية). رجل الأعمال الذي يمتلك معمل بلاط اختصر طريقه إلى النيابة. لا مشروع سياسياً أو إنمائياً أو اجتماعياً ولا من يحزنون. انتخبوه لأنه وزوجته أصدقاء عائلة عون، لا داعي للشك، الإثبات في الصورة الأخيرة التي نشرها الملاح على صفحته الفايسبوكية برفقة رئيس الحزب جبران باسيل. لا همّ إن كان قد ترشّح على لائحة النائب ميشال المر البلدية في جل الديب في عام 2004 عندما كان المر الممثل المتني للنظام الذي سجن شباب التيار، ولا همّ أيضاً إن وقف في عام 2010 ضد هيئة التيار ومنسق القضاء، تماماً كما فعل النائب نبيل نقولا في الانتخابات البلدية عام 2016. الثاني، يلحق الموضة. والموضة هذه الأيام أن يترشح منسقو الأقضية السابقون والمناضلون الذين كسروا رجلاً أو إصبعاً في خلال تظاهراتهم من أجل القضية. فكان ترشح منسق القضاء السابق طانوس حبيقة (عن المقعد الماروني). ماذا سيضيف حبيقة إن وصل إلى الندوة البرلمانية؟ اسألوا رئيس لجنة هيئات الأقضية في التيار منصور فاضل، فهو يعرف حبيقة جيداً على ما يقول على الفايسبوك. وفاضل يتكفل بحملة حبيقة الدعائية اليوم وبعض من أصوات بلدة جديدة ــ البوشرية ــ السدّ. طبعاً، العدة الرئيسية هي الصور، لذلك تتكاثر صور حبيقة على صفحته تحت شعار: "انتخبوا صاحب القلب الطيب". ولأن فاضل يمكنه تجيير الكثير من الأصوات للمرشحين رغم نظام الـ "one man one vote"، تبنى مرشحاً آخر يدعى إدي معلوف وبدأ ينشر له صوره مع حبيقة، داعياً العونيين إلى انتخابهما. فما كان من أحدهم إلا أن سأل عن كيفية التعرف إلى معلوف، وهل الوسيلة هي بالذهاب إلى الكازينو؟ فالأخير ــ في ما عدا طموحه بوراثة المقعد الكاثوليكي عن عمه النائب إدغار معلوف ــ هو مدير قطاع المأكولات والمشروبات في كازينو لبنان، ويعرّف عن نفسه في الفيديو الذي نشره بأنه "ملتزم سياسة التيار"، ربما للغمز من باب "المترددين". أما أبرز مشاريعه إذا أصبح نائباً، فأن يطبق مشروع باسيل في ما خصّ قمع النازحين في البلديات التي يسيطر عليها التيار وتسريع تنفيذ خطط المياه والكهرباء والطاقة التي يصدف أن وضعها باسيل أيضاً. وللأمانة، في جعبة معلوف مشروع آخر، هو تحسين طريقة تعامل النواب مع الهيئات العونية!
يدور الثلاثة السابقون في فلك مناصري النائب نبيل نقولا، أو بالأحرى في الحياة العادية هؤلاء "خلية" واحدة. فإدي معلوف هو صديق طانوس حبيقة الأعزّ، وحبيقة هو صديق نقولا، وغالباً ما ينظمون سوياً رحلات إلى بتغرين لأخذ البركة من النائب ميشال المر. لكن حبيقة هو نسخة محسّنة عن نائب جلّ الديب: وجه شبابي مقبول أكثر وحسّ دعابة أفضل. والملاح صديق نقولا السابق قبل أن تقطع النيابة علاقتهما. وبالمناسبة، النائب نقولا (نائب عن أحد المقاعد المارونية) يتفوق عن الشباب المقربين منه من حيث الشعار المعتمد في الحملة: "بدنا نقولا... نحن مع النبيل" و"نبيل في القول والفعل". نسي الأخير أن يذكر أنه كان نبيلاً في الانتخابات البلدية وفي احتضان المر وإيصال مرشحه والوقوف في وجه لائحة شباب التيار الوطني الحر، ليس في جل الديب فحسب، بل في أنطلياس وبصاليم ونابَيه وسنّ الفيل. فيما يدور سؤال اليوم عن طريقة تقاسم هؤلاء الأصوات بينهم وعمن سينجح في أكل قطعة الجبنة الأكبر في المتن، ولا سيما أن مرشحاً سادساً ظهر فجأة ويدعى ناجي طعمة (عن المقعد الماروني)، يفترض أن "يأكل" هو الآخر من صحن المرشحين السابق ذكرهم، لكونه من بلدة ضبية، التي يعوّل على أصواتها النائب نقولا. ويجزم عونيون بأن لترشيح طعمة هدفاً وحيداً، هو سحب أصوات ضبية من صندوق نقولا.
المرشح السادس (عن المقعد الأرثوذكسي) هو الوزير الياس بو صعب. قبيل أيام من قبول الترشيحات، كان بو صعب في الرابية يتمنى على النائب ميشال عون عدم تخطي النظام الانتخابي استثنائياً من أجله. فهو لم يتم عامي الانتساب الحزبي بعد، غير أن عون أصرّ على ترشحه. لا شكّ أنه كان من الأسهل على الوزير القفز فوق المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية حيث يمكنه النجاح بتفوق بعكس الأولى، لكن "الجنرال" أحرجه. اليوم، يقول المقربون من بو صعب إنه "لن يقوم بأي حملة انتخابية ولا شيء من هذا القبيل ولن يكون محرجاً إذا نال عدداً قليلاً من الأصوات، أي تلك اللازمة للنجاح فقط". رغم ذلك، بو صعب واحد من قلة من المرشحين الذين يحظون بخلفية ودهاء تتناسبان والندوة البرلمانية، فضلاً عن قدرته على إقناع الناخبين العونيين بنجاحه وزارياً، وقبل ذلك إنمائياً يوم شغل منصب رئيس بلدية ضهور الشوير. المرشح السابع (عن المقعد الكاثوليكي) يدعى شارل جزرا. الترشح عند الأخير يحمل أملاً بأن يقابله بالوفاء كل الذين حرص عليهم منذ 15 سنة: وفاؤهم لمن طبّبهم مجاناً، أو شبه مجاناً، ولمن أقله سيهتم بهم وبمتطلباتهم الصحية والاجتماعية في السنوات المقبلة. على المقلب الآخر، مرشح ثامن يختلف كلياً عن الستة الباقين. وعلى عكس النائب نبيل نقولا، برز النائب إبراهيم كنعان في العمل النيابي، تشريعاً ومحاسبةً، من خلال رئاسة لجنة المال والموازنة، ولو أن دوره في هذا المجال خفت إلى حد ما بعدما قرر التيار خفض سقف المواجهة مع آل الحريري. وفي السياسة هو أحد مهندسي التحالف القواتي العوني، وهو ممثل الجنرال في كل القضايا السياسية الدقيقة. ومتنياً هو رأس الحربة في وجه النائب ميشال المر. أما حزبياً، فتجربة البلدية ووقوفه إلى جانب هيئات التيار والحزبيين أربحاه الكثير. وفعلياً معركة نهاية الشهر الجاري بالنسبة إلى البعض معركة تأهل إلى المرحلة الثانية من آلية اختيار المرشحين للنيابة. إلا أن المعركة الحقيقية هي بين أكثر من نهج: نهج المرابين الذين يبيعون ويشترون على القطعة، نهج المهرجين الذين يطيرون البالونات في زفاف حفيدة المر ويفتحون الشمبانيا منتشين، نهج عارضي البزات والبسمات ونهج محاربة كل السابق ذكرهم عبر توحيد التيار الوطني الحر تحت راية سياسية واضحة.