شهد عام 1978 بداية تسلّم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الحكم في «الجمهورية العربية اليمنية» (اليمن الشمالي)، بعد مقتل الرئيس أحمد الغشمي، بفترة قصيرة، وتنحّي عبد الكريم العرشي عن الحكم.الرسائل المتبادلة بين السفارة الأميركية في صنعاء أو في الرياض مع وزارة الخارجية الأميركية، تمحورت حول التعاون بين السعودية والولايات المتحدة في دعم هذا الشطر من البلاد، في وجه «اليمن الجنوبي»، أي «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» التي كانت مدعومة من قبل الاتحاد السوفياتي، ذلك أن معظم البرقيات التي تطرّقت إلى هذا الموضوع أشارت إلى وجوب التنسيق مع السعودية في مجال الدعم العسكري والسياسي لليمن الشمالي.

شهدت البرقيات الدبلوماسية عن اليمن في عام 1978 على بداية تعرّف الأميركيين على علي عبدالله صالح. في إحدى هذه البرقيات بتاريخ 29 حزيران (أي بعد خمسة أيام على مقتل الرئيس اليمني أحمد الغشمي)، بعنوان «الخطوة التالية في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»، أشار مسؤول أميركي إلى أنه خلال حديثه الأول والمقتضب مع صالح (الذي كان وقتها عضواً في المجلس الرئاسي)، ظهر «تهوّر» هذا الأخير و«ولعه في القتال»، عندما قال إن عمله يتمحور حول «الأمن في الجمهورية العربية اليمنية والانتقام للغشمي». وأضاف المسؤول الأميركي أن هاتين الصفتين ظهرتا، أيضاً، عندما طلب من الأميركيين مدّه «بشكل سري وسريع ومباشر بالمراقبة الجوية للجنوب»، وبترتيبات ومعلومات عن المعركة.
من التوصيفات التي ذكرتها بعض البرقيات عن صالح أنه «غير صبور». ولكن برقيات أخرى أبدت إعجاب المسؤولين الإميركيين بإقدامه، ذلك أنه «قام باتخاذ خطوة كبيرة تمثلت في حصوله على علاقة مباشرة» معهم، «مستقلة عن السعودية».
ذكر مسؤول أميركي أن صالح «من دون شك ينظر إلينا على أننا وسيلة لإبقاء بعض المساحة السياسية الفاصلة بينه وبين رعاته السعوديين»، ولكن المسؤول ذاته أشار إلى أن صالح «لم يوح بأن لديه عقلاً سياسياً، إنه جندي جبلي جلف».
أحد المسؤولين الأميركيين وصفه بأنه «رجل داهية وقوي وقلق بشأن وضعه في اليمن، ويريد أن يثبّت نفسه بسرعة». إنه رجل «يريد التخلص من السوفيات الذين يفضّلون اليمنيين الجنوبيين عليه بشكل علني... إنه لا يريد أن يعتمد بشكل كامل على السعوديين».

من التوصيفات التي
ذكرتها بعض البرقيات عن صالح أنه «غير صبور»

برقية أخرى بتاريخ 26 أيلول، أي بعد حوالى 11 يوماً على انتخاب صالح رئيساً، وصفته بأنه «لم يكن مرتاحاً بشكل كامل مع دوره الجديد، خصوصاً في تعامله مع الأجانب... هو ليس شاباً هادئاً ولا يبتسم كثيراً... هو لا يفهم بعد كيف أن البرامج الموسعة تتطلب وقتاً وإقناعاً بدلاً من إصدار الأوامر فقط».
المسؤول الأميركي طمأن صالح الى أنه «يجب ألا تكون لديه شكوك بشأن اتخاذ الولايات المتحدة دوراً مباشراً ومؤثراً في برامج الدعم العسكرية مستقبلاً».
كذلك ذكر له أنه «يمكنه أن يتوقع زيارة قصيرة من قبل ممثلين أميركيين وسعوديين لصنعاء، لتقديم برامجهم في هذا المجال».
البرقية أشارت إلى أن الهدف من كل ذلك هو رفع مستوى قدرات «جمهورية اليمن العربية» في أسرع وقت ممكن في المجالات الأساسية، مثل الدفاعات المضادة للهجمات الجوية. وذكرت الرسالة أن من الممكن أن يكون هناك وجود أميركي واضح في صنعاء، بناءً على ذلك.
وفق هذه البرقية، سأل صالح مرة أخرى، إذا ما كان الأميركيون سيقفون بجانبه في حال تعرّض لهجوم من الجنوب، ذلك أن السوفيات سيقفون وراء الجنوبيين في مناسبة كهذه، وما «إذا كنّا سننشئ جيشاً في الشمال يمكن أن يطابق ما في الجنوب»، استناداً إلى خطة «طائرة مقابل طائرة، وسفينة مقابل سفينة، ودبابة مقابل أخرى». ولكن المسؤول الأميركي أخبر صالح، وفق البرقية، أنه ليست لديه أي تعليمات في هذا الخصوص، ولكن بناءً على رأيه الشخصي، «لن يحصل على هذا النوع من الالتزام» من قبل الولايات المتحدة.
من الواضح أنه كانت هناك خلافات في وجهات النظر بين الطرفين، فقد شدّد المسؤول على مقاربة الأمور بأسلوب دبلوماسي وعسكري في الوقت ذاته، في حين بدا صالح مصرّاً على الدعم العسكري، وبدا متشكّكاً في أكثر من مناسبة في الدعم الأميركي.
إحدى البرقيات أشارت إلى أن صالح شدّد على أنه لم يحصل سوى على الدعم المعنوي منذ انتخابه، الأمر الذي وضع المسؤولين الأميركيين في حيرة من أمرهم في كيفية إقناعه بأنه سيحصل على دعم عسكري، ولكن ليس كما يريد هو.