قد لا يكون من المستغرب أن «يحضن» أبناء القاع البقاعية السلاح ويسهرون لحماية منطقتهم. الهجمات الإرهابية الثماني التي تعرضت لها البلدة في أقل من 24 ساعة تبرّر ذلك. وجد هؤلاء أنفسهم في موقعهم الطبيعي والقرار الدفاعي منبعه خرق الانتحاريين لسكون فجرهم وليلهم. النقطة الثانية التي تتكرر غداة كلّ تفجير، هي بيانات وزيارات الاستنكار والتضامن من المسؤولين السياسيين والعسكريين. في القاع تحول الأمر إلى «استعراض إعلامي» ظاهره دفع الخطر عن منطقة طابعها «مسيحي» وباطنه تنافس «مسيحي ــ مسيحي»، خاصة أن الهجمات الإرهابية تزامنت مع ذكرى مجزرة القاع التي حصلت في الـ1978. زيارات «الحجّ» ذات الطابع «المسيحي» التي لم تشهدها مناطق أخرى استهدفها الخطر نفسه، كعرسال التي تقع على بعد كيلومترات قليلة من القاع والضاحية الجنوبية لبيروت أو طرابلس، تؤكد ذلك. حاولت الأطراف السياسية تظهير ما حصل وكأنه «استهداف للمسيحيين»، فوقعت في شرك المزايدات.«إعلان النفير» لمساندة أبناء القاع ينقسم إلى شقين. هو أولاً إشارة إلى أنه لا الجيش ولا أهالي البلدة قادرون على حماية قريتهم، في تناقض واضح مع الشعارات التي درجت العادة أن تُرفع بأنّ «الجيش هو الحل». أما الشق الثاني فهو استعراض إعلامي. فهل من المنطقي أن يتحول أي عمل ذي طابع أمني إلى مسلسل تلفزيوني وخبر عاجل؟
يقول مسؤول القوات إن الجيش طلب من الأهالي حماية شارعهم

إضافة إلى زيارات السياسيين والأمنيين، برز بعد أول استهداف إرهابي في القاع انتشار صور نائب القوات اللبنانية أنطوان زهرا وهو يحمل سلاحاً حربياً ويحيط به عدد من الشباب. أما بعد الهجوم الثاني، فأعلن العميد المتقاعد شامل روكز أنه سيتوجه إلى القاع ليكون «مع الأهالي بمواجهة الإرهاب وللدفاع عنهم». فُهم الأمر على أنه دعوة إلى حمل السلاح لمؤازرة الجيش. يهم روكز أن يوضح أنّ الأمر «وقفة أخلاقية ووطنية وأنا غير معنيّ بالمزايدات. سنقوم بالأمر نفسه في أي منطقة أخرى. ولكنّ القاع هي ضيعة لبنانية وهي الأساس اليوم، من الطبيعي أن أكون بين أهلي». عن التنسيق مع الجيش، يقول: «أنا مواطن إلى جانب الجيش. لا نريد أن يترك الأهالي ضيعتهم»، نافياً أن تكون محاولة لتشكيل تنظيم مُسلح «خديها متل ما هيي. يمكن يكون دورنا صليب أحمر». ما لا يُفصح عنه العميد المتقاعد، يتولى شرحه أحد الشباب الذين رافقوه اليوم والذي فضل عدم الكشف عن اسمه. «نحن منذ غزوة عرسال قررنا تشكيل مجموعات عونية لمؤازرة الجيش ولكي يشعر أهالي المنطقة بأنهم ليسوا وحدهم». بالنسبة إلى الشاب «نحن العين الساهرة ولا يوجد بيت لبناني لا نجد فيه قطعة سلاح. ولكن القوة والكلمة النهائية هي للجيش الذي نقوم بالتنسيق معه». ينفي العنصر السابق في الجيش إدراج انتقال روكز إلى القاع في إطار المزايدات «فهو طلب أن نبقي السلاح في سياراتنا ولا نُظهره، خلافاً للآخرين. عيب على أي واحد أن يُزايد على دم شهيد».
الضجة الأكبر حصدتها صورة زهرا حاملاً السلاح من جديد، مُطبقاً مقولة رئيس حزبه سمير جعجع «عند الخطر قوات». يتهكم مصدر مسؤول في معراب من السؤال عن لجوء القوات إلى السلاح غير الشرعي، «شتان بين ما يفعله القواتيون وما تقوم به أحزاب أخرى». في القاع «أكثرية الناس قوات وسلاحهم فردي. طلعنا نتضامن مع أهلنا، مش عيب. نحنا أكتر ناس مع الشرعية». أما منسق القوات في البقاع الشرقي جورج مطر، فيوضح أنّ «زهرا هو نائب لديه حرس يواكبه. وصل إلى القاع ليُمثل رئيس الحزب في الدفن، ولكن حين تأجل لأسباب أمنية بقي معنا. ويبدو واضحاً في الصورة أنه كان في أحد المنازل وسلاحهم فردي». يُخبر أنه خلال الليل «وبينما كنا نتناول العشاء، سمعنا أصوات الانفجارات، أي شخص من القاعيين كان قادراً على حمل السلاح، فعل ذلك». ويضيف أنّ «الجيش طلب من الأهالي حماية شارعهم لأنهم يعرفون زواريبه. كان ليلاً أمنياً والملامة تقع على من لم يحمل السلاح». وحين انتهت التفجيرات «وبدأت أعمال المسح، عاد الجيش وطلب من الأهالي ملازمة منازلهم وعدم التسلح».
الجيش بدوره أصدر بياناً طالب فيه بوقف حمل السلاح غير المرخص، وبشكل ظاهر. وأكدت مصادر عسكرية لـ"الأخبار" أنه تفهّم لجوء المواطنين إلى حمل السلاح دفاعاً عن بلدتهم، "لكننا قادرون على حماية المنطقة، ولا داعي لوجود مسلحين". ولفتت المصادر إلى أن "الجيش استوعب ردّ فعل الأهالي، لكنه لن يقبل باستمرار المظاهر المسلحة مستقبلاً".