936 صوتاً هو الفارق بين آخر الرابحين على لائحة «الإنماء والوفاء لبشري» المدعومة من القوات اللبنانية وأول الخاسرين على لائحة «بشري موطن قلبي» المدعومة من عدد من القواتيين المعترضين على السياسات المحلية لقيادة القوات وعدد من المستقلين. بهذه النتيجة، تكون النائبة ستريدا طوق جعجع قد خسرت «الشرط» بينها وبين أعضاء لائحتها بأنها ستفوز بفارق 1000 صوت. اقترع في مدينة بشرّي أمس 5330 شخصاً، نالت منهم اللائحة الثانية ("بشري موطن قلبي") قرابة الـ37٪ من الأصوات وتمكنت من الفوز بمختارين في حيّ السيدة في بشري، المعارض للقوات اللبنانية للدورة الثانية على التوالي. عرش «القوات» هزته مجموعة «قواتية» ومن المجتمع المدني بدأت عملها قبل أسابيع قليلة من موعد الاستحقاق لتواجه ماكينة حزبية مُنظمة منذ سنوات. ماكينة رفعت شعار «الوفاء للشهداء» لشد العصب، متهمة في الوقت نفسه حزب الله بـ«استغلال» تضحيات شبانه في معركة بلدية.
ماكينة «موطن قلبي» هي حاسوب و3 آلات طباعة، اثنتان منها جفّ حبرهما

في عدد من بلدات القضاء، كان الهدوء سيّد الموقف. لا يكسر الصمت سوى أغاني «الحكيم»، تصدح من مكبّرات الصوت. الحركة شبه معدومة، ولا سيما في البلدات التي فازت مجالسها البلديّة بالتزكية. في قنات وحدث الجبة وبان، شكّلت لوائح توافقيّة بين القوات اللبنانيّة والتيار الوطني الحرّ والعائلات. الرئاسة كانت من نصيب القوات في قنات وحدث الجبة، في حين أن التيار انتصر في بان. أما في بقاعكفرا، فقد شكلّت القوات مجلساً بلدياً بالتحالف مع العائلات. وفي بزعون، تحالفت القوات مع المردة لقطع الطريق أمام أي اعتراض قواتي ــ قواتي ومحاولة لتشكيل لائحة مواجهة كما حصل في بشرّي. في طورزا، انسحب مرشحو القيادة القواتية بعدما أجّل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الانتخابات فيها. إلا أنّ حكم مجلس شورى الدولة قضى برد قرار الوزير، ففازت اللائحة المدعومة من قدامى القوات والتيار والعائلات بالتزكيّة.
وفي البلدات التي شهدت معارك، كانت المنافسة قواتيّة ــ قواتيّة. مُقابل لوائح «الإنماء والوفاء» الرسمية، كان هناك لوائح «الصوت الحرّ»، المعترضة على أداء نائبي القضاء وطريقة تعاطي «البلاط» معهم.
في بلدة بشري، رُفعت أعلام القوات على السيارات وأعمدة الكهرباء. وصور الثنائي جعجع في محيط المراكز الانتخابيّة. ماكينة «بشري موطن قلبي» هي عبارة عن حاسوب و3 آلات طباعة، اثنتان منها جفّ حبرهما. هي ماكينة متواضعة تنفي بنفسها تهمة «دعم الإقطاع السياسي»، كما روّج مناصرو «الإنماء والوفاء»، التي ركّبت ماكينتها داخل أحد الفنادق. عمل ماكينة قيادة القوات كان منظماً: مدّ المندوبين بمعلومات محدّثة كلّ ساعة وتنظيم عمليّة النقل. قبل ساعات من إقفال صناديق الاقتراع، توقعت الفوز بفارق 1500 صوت.
كل الأسلحة كانت مباحة في معركة بشرّي، بما فيها استحضار الماضي. استنهض الإقطاع و«تدخّل القديسون» لمنع انكسار «الحكيم» أمام من يحاول هزّه في معقله. وجّهت النائبة جعجع دعوات عدّة للمناصرين بالاقتراع بكثافة، حتى بلغت النسبة 37.5% مع إقفال الصناديق. وعدت «الحكيم بأن تبقى بشري على وعدها له، وأن لا تخذله، وأن تقدّم له وردة بصوتها». وردة باتت رمزاً منقذاً للحكيم في معاركه الدونكيشوتيّة، كما «استُخدمت» لإنقاذه من رصاصة الاغتيال. على الرغم من الرقم الذي حققه رئيس لائحة «قوات موطن قلبي» القواتي جوزف خليفة (2080 صوتاً)، إلا أن قيادة القوات أصرت على التأكيد أنّ «القوات واحدة وغير مقسومة. هناك المحازبون والمناصرون الأوفياء، وهناك من يدّعي ولاءه للحزب، كونه حارب فترة من الزمن مع الحكيم، ثمّ غاب عن الحزب ولم يعد يناصره ولا يلتزم بقراراته». أما الرئيس الرابح فريدي كيروز فوصف العمليّة بـ«الديموقراطيّة وأصوات البشرانيين في الصناديق ستكون عربون شكر للحكيم ونائبي القضاء على الفورة الإنمائيّة التي أحدثوها منذ عقد حتى اليوم، وتأكيد على أنهم داعمون للمسيرة الإنمائيّة التي أطلقتها المدام ستريدا». وهو يعتقد أنّ اللائحة المنافسة «لائحة إقطاع مبطّنة بغطاء المجتمع المدني غير الموجود في بشري. زعماء العائلات لم يجرؤوا على خوض المعركة بأنفسهم كي لا يخسروا أمامنا للمرّة الخامسة على التوالي. ونحن سنربح هذه المرّة أيضاً بنسبة 65 بالمئة من أصوات المقترعين».
من جهته، يرى خليفة أن معركة لائحته إنمائيّة، «نحن نعمل باللحم الحيّ، بعدما وجدنا تجاوباً من الشارع البشراني مع طروحاتنا. دعم الزعامات التقليديّة هو شرف لنا طالما هو تحت سقف طروحاتنا».
لا تختلف المعركة في حدشيت عن المعركة في بشري، فهنا لم ينجح قدامى القوات في تشكيل لائحة مكتملة من 15 عضواً، فشكّلوا لائحة مؤلفة من خمسة أشخاص. يعتبرون أنفسهم «القرار الحرّ» في البلدة، فخاضوا المعركة بوجه «الإنماء والوفاء لحدشيت». في بقرقاشا، الوضع مختلف. تشكّلت لائحة مدعومة من العائلات (4 أعضاء) وقدامى القوات (3 أعضاء) والتيار الوطني الحرّ (5 ملتزمين و3 مؤيدين) في وجه لائحة مدعومة من قيادة القوات. ماكينة اللائحة الأولى توقعت فوزها بالكامل، أو خرقها بعضو واحد. الأمر نفسه في برحليون، هناك يتوقّع أن تفوز اللائحة المدعومة من التيار وقدامى القوات في وجه لائحة القوات. في حصرون، حيث يظهر امتعاض ضد قيادة معراب، شكّل التيار وقدامى القوات والعائلات لائحتهم التي ترأسها القواتي المفصول من حزبه نجيب فرح.
ست بلديات حسمت لمصلحة القوات، وأربع لمصلحة التيار وقدامى القوات. القراءة السياسية الأولية في بشرّي تدل على الكثير من التغيرات والمفاجآت. أبرز ما رمزت إليه هو النقمة الداخليّة على القيادة القواتيّة. تجرأ عدد منهم ورفعوا الصوت. صحيح أنهم لم يربحوا، ولكن يكفي أن يكونوا قد هزوا «العرش»، مجبرين قيادة معراب على وضع كامل «أسلحتها» بتصرف لوائحها حتى يكونوا قد سجلوا تقدماً.