بانطواء جولة محافظتي الشمال وعكار الاحد المقبل، تنتهي علاقة العائلات بكل ما حدث في الآحاد الاربعة المنقضية، ويبدأ الزعماء والاحزاب مراجعة امتحان الانتخابات البلدية والاختيارية، خصوصاً اولئك الذين اعتقدوا انهم قطفوا ثمارها

قد لا يجعل اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بالضرورة الانتخابات النيابية العامة اقرب من موعدها بعد 11 شهراً، ولا ولاية البرلمان الحالي منتهية قبل موعدها بعد 13 شهراً.


في حصيلة درس الانتخابات البلدية والاختيارية، في جولاتها الثلاث حتى الآن على الاقل، لا ذريعة امنية تمنع حصول الانتخابات النيابية، كالقول باضطرابات محلية، او انشغال الجيش بتوزع قواه شرقا وجنوبا كما في الداخل تحول دون اضطلاعه بدوره فيها. الا ان الذريعتين الاخريين لا تزالان قائمتين: احداهما شغور رئاسة الجمهورية، والاخرى عدم التوافق على قانون جديد للانتخاب مع تأكيد ملازم هو رفض اجراء انتخابات جديدة وفق القانون النافذ منذ عام 2008.

الذرائع الثلاث هذه اجاب عنها قرار المجلس الدستوري في 28 تشرين الثاني 2014 عندما تمكن من مناقشة الطعن الثاني في تمديد ولاية مجلس النواب عام 2014 ــــ بعدما حيل دون التئامه لمناقشة طعن تمديد 2013 ــــ وخلص الى فصل كل من الذرائع تلك احداها عن الاخرى، وخصوصا فك الارتباط بين الاتفاق على قانون جديد للانتخاب واجراء الانتخابات النيابية العامة، وانتهى الى تكريس مبدأ ملزم هو اجراء هذه الانتخابات فور زوال الظروف الاستثنائية، وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة. تاليا بنى المجلس الدستوري قرار تسليمه بتمديد الولاية على ما اشاعته السلطة السياسية عن عدم توافر ظروف امنية لاجرائها في موعدها، من دون اقران هذا الموقف بأي علاقة مباشرة بقانون الانتخاب كما بانتخاب الرئيس، ولاحظ ان ربط اجراء الانتخابات بأي منهما او بكليهما مخالف للدستور، ما حمله على الدعوة الى انتخابات نيابية عامة فور زوال الظروف الاستثنائية.

على ان القرار نفسه لم يتوقف عند تفسير هذا التبرير فحسب. بل افصح عن ذريعة شكلية في ظاهرها لكنها جوهرية في باطنها، هي اقرار قانون تمديد 2014 وتسلمه الطعن في ايام قليلة سبقت انتهاء ولاية مجلس النواب المنتخب في 20 حزيران 2009، ما يتعذر على مجلس النواب الانعقاد مجدداً لتقليص مدة التمديد، فأمسى امام فراغ حتمي وتام في السلطة الاشتراعية بحلول 20 حزيران 2014.



لا آلية تلزم

الحكومة والبرلمان العودة الى قرار المجلس الدستوري




عند هذا الحد توقف قرار المجلس الدستوري. الواقع ان ليس ثمة ما هو مطلوب منه اكثر من ذلك:

1 ــــ عملا بصلاحياته المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور، لا يملك المجلس الدستوري حق تدخله من تلقائه، بل استناداً الى حالات حددتها المادة تلك. لا يبدأ دوره الا عندما تدعوه اليه المراجع صاحبة الاختصاص في طلب المراجعة، وفي المواضيع المحددة المرتبطة بالطعون والتحقق من دستورية القوانين. تالياً لا يعود للمجلس الاضطلاع بأي دور ما ان يصدر قراره. الا ان ليس له حكماً ان يقول بإجراء انتخابات نيابية عامة جديدة الآن، ولا يدخل ذلك في صلاحياته، وليس له ان يخاطب السلطات المعنية خارج نطاق اختصاصه.

2 ــــ ليس له ان يحدد في قراره آلية تنفيذية لمبدأ كان أورده، وتحديداً المبدأ الرابع الذي الزم اجراء انتخابات نيابية عامة فور زوال الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية. لم يسمِ القرار المرجعية المعنية بتحديد زوال الظروف الاستثنائية، ولا اختصاص له في ذلك، ما يعني ترك تحديد زوال الظروف الاستثنائية الى سلطتين دستوريتين وحدهما ذات اختصاص: اولى هي مجلس النواب بأن يعمد الى اصدار قانون يقصّر ولايته الممددة قبل انتهائها على غرار ما فعل عام 1992، قبل سنتين ونصف سنة من انتهاء ولاية البرلمان الممددة ولايته حينذاك حتى عام 1994. ثانية مجلس الوزراء بدعوة الهيئات الناخبة الى انتخابات عامة جديدة بالتزامن مع الاجراءات الملازمة للدعوة كتخصيص الاعتمادات المالية وتأليف هيئة الاشراف على الانتخابات ولجان القيد العليا. لكلتيهما صلاحية محددة مستقلة، الا ان احداهما مكمّلة للاخرى. لا آلية تلزمهما معاً او منفردتين اعادة قراءة قرار المجلس الدستوري والاخذ به. تالياً لهما ان تقولا ان قرار المجلس الدستوري صار من الماضي.

3 ــــ خلافاً لقانون تمديد 2014، وكان غير مشروط على نحو لا يلزم مجلس النواب تقصير ولايته فور زوال مبررات حصولها، اتى قرار المجلس الدستوري معاكساً تماماً بأن ربط استمرار الولاية باستمرار الظروف الاستثنائية. الا ان مؤداه ايضاً ان زوال الظروف تلك يحتم زوال الولاية الممددة. ما يرمي اليه القرار ضمناً انه قبل مراجعة الطعن ولم يرفضها، عندما تحفظ عن المدة الطويلة للتمديد وهي سنتان وسبعة اشهر كما لو ان الظروف الاستثنائية ستستمر طوال هذا الوقت، فيما اكد قراره ان التدابير الاستثنائية تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فحسب. اتى اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية دليلاً ملموساً على زوال الظروف تلك، ما يقضي بزوال التدابير الناشئة عنها.

بيد ان المجلس الدستوري في واد، ومجلس النواب والحكومة في واد آخر.

لم يعد احد يتسلح اليوم بالذريعة الامنية. بينهم مَن تنكّر لها كي يذهب الى حجتين غير قابلتين للتذليل: الشغور الرئاسي، والتوافق المسبق على قانون جديد للانتخاب:

ــــ تدخل الحجة الاولى يوم غد في السنة الثالثة من دون ان يسع احد القول ان الاستحقاق الرئاسي في ايدي اللبنانيين وحدهم، او وشيك في مدى منظور حتى. على ان البرلمان في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة، بدءاً من 25 نيسان يدخل في مهلة الشهرين السابقتين لانتهاء ولايته، ما يجعله مجدداً امام استحقاق اجراء الانتخابات النيابية العامة سواء كان ثمة رئيس ام لا. وقد لا يكون ربما قد انتخب.

ــــ تلتئم اللجان النيابية الخمس بعد غد الخميس في رابع جلساتها للبحث في صيغتي قانون المختلط. في الظاهر تسلم اللجان، المنتمية الى الكتل الرئيسية، للمرة الاولى بخيار وحيد للقانون يزاوج بين الاقتراعين النسبي والاكثري. لكنه سبب غير كاف لابصار قانون انتخاب جديد النور في ظل انقسام اللجان على معايير جوهرية في القانون تتعلق بتوزيع المقاعد على التصويتين، وكذلك توزيعها على الاقضية والمحافظات، واقرار مبدأ العدالة في توزيع يحفظ على الاقل مشاركة الاقليات السياسية في الانتخابات النيابية ويمنحها فرصة الوصول الى مقاعد.