خلال اليوم الانتخابيّ الزحليّ، كان هناك في مكتب المرشح أسعد زغيب غرفة إعلامية يجلس فيها شاب عونيّ وصبيتان وشقيقة النائب إيلي ماروني وثلاثة شباب ينتمون إلى القوات اللبنانية. الحديث عن افتقار لائحة الكتلة الشعبية إلى الخبث الانتخابي استفز أحد شباب القوات فخرج من صمت زاويته مصححاً: "ماكينتنا تتفوق تقنياً، لكن المال السياسي والخبرة الانتخابية ومعرفة الزواريب والدهاء الانتخابي وغيره وغيره ميزة تحتكرها ماكينات السياسيين التقليديين". قبل أن تبين النتائج الليلية أن تقديرات الشاب لماكينته لم تكن في محلها، فهي تفوقت على ماكينة سكاف بالدهاء الانتخابي حين "نيّمتها على حرير" وطمأنتها وأقنعت ناخبين كثراً بخداعهم، محققة تقدماً كبيراً في صناديق كانت الكتلة واثقة بأنها صناديقها الخاصة.
تأثر المناطق الأخرى بنتيجة زحلة ينقصه إسقاط الشعار الانهزامي "المشاركة بدل المواجهة"
وقد نجحت القوات في أن تأخذ من زحلة بالسلم وتحديداً في صناديق الاقتراع ما عجزت عن أخذه في الحرب. وقد سقطت في هذا اليوم الانتخابي كل ذرائع التيار الوطني الحر والقوات لعدم خوض الانتخابات على نحو مباشر في هذه القرية أو تلك: مالياً لا يمكن القول إن هناك رئيس مجلس بلدي أو مرجعية سياسية قادرة على وضع كمية أموال بتصرف استمراريتها توازي ما صرفته أو ما كان يمكن أن تصرفه ماكينتا الكتلة الشعبية وفتوش في زحلة. قدرات هاتين المرجعيتين الخدماتية وعلاقاتهما مع مفاتيح النفوذ في الإدارات الرسمية تتجاوز بعشرات الأضعاف قدرات رؤساء المجالس البلدية الخدماتية في غالبية المدن والبلدات الأخرى. عمر آل سكاف في بلدية زحلة يتجاوز أعمار جميع رؤساء المجالس البلدية. ومكانة الاعتبارات العائلية أخيراً أكبر في زحلة مما هي في غالبية المدن والبلدات الأخرى. التدقيق في صناديق اقتراع زحلة يبين أن موجة التأييد الشعبي للقوات والعونيين أكبر من كل الولاءات العائلية والحساسيات المذهبية التاريخية والمال السياسي واللعب على الوتر المناطقي وغيره. النائب العوني السابق سليم عون، كان نموذجاً في هذا الإطار. علاقته الوطيدة بآل فتوش لم تدفعه إلى شد التيار نحو خيارات تسووية مع فتوش كما يفعل غيره أو استخدام نفوذه لتمرير أصوات عونية لفتوش. خروج الأحزاب منتصرة يفترض أن يفتح نقاشاً جدياً في ما حال ويحول دون تكرارها التجربة الزحلية في جميع المدن والبلدات. وهو نقاش أخذ حيزاً كبيراً في تعليقات المحازبين أمس على انتصار رفاقهم الذين راحوا يتساءلون على المواقع الافتراضية عما يحول دون إكمال الأحزاب "معروفهم" في المناطق فيخوضوا الانتخابات وفق مبادئ واضحة وقضية واحدة، وخصوصاً أن الكتلة الشعبية التي أسقطها تحالف الأحزاب أقرب تاريخياً إلى الأحزاب من النائب ميشال المر مثلاً. وبيت النائب الزحليّ السابق أقرب إلى الأحزاب أيضاً من بيوتات نواب كسروان السابقين. ولا شك أن مجالس بلدية زحلة المتعاقبة أقل فساداً من مجالس بلدية تتحالف الأحزاب معها وتدعمها في بعبدا والمتن وكسروان وجبيل وغيرها. ولا يمكن النائب ابراهيم كنعان بالتالي أن يكون سعيداً ومتحمساً على هذا النحو في زحلة، وبارداً بهذا الشكل في المتن الشمالي. "زحلة البداية" كما قال كنعان يفترض أن تكون بداية تغيير يشمل الجديدة ــ البوشرية ــ السد وسن الفيل والدكوانة والزلقا وجل الديب وأنطلياس وضبية ومزرعة يشوع وقرنة شهوان وبيت شباب والمنصورية وكل البلدات الأخرى التي ترتضي الأحزاب بتمثيل هش في مجالسها البلدية التي يوالي رؤساؤها النائب ميشال المر، علماً بأن التيّار يخوض في كسروان، حيث لا يوجد نواب حزبيون، وفي جزين عدداً كبيراً من المعارك الانتخابية الشبيهة بمعركة زحلة، فيما يتراجع إلى الخلف في المتن وزغرتا ويتصرف بخجل في بعبدا وجبيل. وكان رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون قد دخل أمس على خط النقاش الحاصل حين تحدث عن تأثر المناطق الأخرى بنتيجة زحلة؛ وهو كلام صحيح طبعاً، لكن ينقصه أولاً تشكيل لوائح حزبية في المناطق الأخرى على غرار لائحة الأحزاب في زحلة وإسقاط الشعار الانهزامي "المشاركة بدل المواجهة" الذي ترفعه الأحزاب في غالبية المدن والبلدات.