حارة صخر | تزامنت الذكرى الأولى للحرب الإسرائيليّة على لبنان مع جنّاز مرور أربعين يوماً على استشهاد الياس روكز صفير ابن بلدة حارة صخر (جونية) وهو آخر شهيد سقط جرّاء عدوان تمّوز الأخير، بعدما استهدفه القصف الإسرائيلي وهو يمرّ على جسر كازينو لبنان.«الآدمي التي لا تحصى أعماله الحسنة» تقول عنه زوجته إيزابيل، توفّي الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر الخميس في 31 أيّار 2007 بعدما كان في غيبوبة تامّة استمرّت لمدّة عشرة أشهر في مستشفى سيّدة لبنان في جونية، وذلك منذ 4 آب تاريخ قصف جسر كازينو لبنان.
غسّان صفير ابن الشهيد، روى تفاصيل الحادث، فوالده كان في بلدة إدّه (البترون) يمضي بعض الوقت عند ابنته الكبرى ريتا. وبعدما شغلت باله أخبار العائلة والأولاد بسبب الحرب، قرّر العودة الى منزله ليكون قريبـــــاً من أحـــــبّائه. فـــــأقلّه صهـــــره إلى جونية، دون أن يدري أنّها رحلة عمّه الأخيرة. إذ بعدما أقـــــفلت الطرق بسبب قصف الجسور، قررّ الياس الترجّل من السيّارة موصياً صهره بالعودة إلى بلدته إدّه، مقنعاً إيّاه بأنّه سيكمل المسافـــــة الباقيــــة إلى منزله في حارة صخر سيراً على الأقدام.
كان له ما أراد، فأكمل سيراً على الأقدام، وكان من سوء حظّه أن قصف جسر الكازينو وهو يسير عليه. ويقول غسّان إنّ شهود عيان أفادوا بأنّ الإصابة جعلته يطير قبل أن يقع على الأرض، وقد أدّت إلى إصابته في رأسه. وإذ لم تكن الإصابة خطيرة فإنّ الشهيد عانى مشاكل في القلب وخاصّة أنّه سبق أن خضع قبل 25 سنة لعمليّة جراحيّة في قلبه، كذلك أصابته رضّات كثيرة، وتأثّر بالبارود والرمل والغبار في غياب الأوكسيجين عن المكان. ويضيف غسّان أنّ والده ظلّ مطروحاً على الأرض لنحو 25 دقيقة قبل أن تصل سيّارة الإسعاف وتجده بسبب الفوضى التي عمّت المكان بعد قصف أكثر من جسر في الوقت عينه. وقد حاول المسعفون الذين تكنّ لهم عائلة الشهيد «كلّ المحبّة والشكر والتقدير» إنعاش قلبه ونقلوه إلى مستشفى سيّدة لبنان في جونية، حيث عاد قلبه إلى العمل بعد عشر دقائق من دخوله إلى المستشفى. وظلّ في غرفة العناية الفائقة لنحو شهرين، قبل أن ينقل الى غرفة عاديّة، وقد كان في غيبوبة طوال هذه المدّة، الى أن فارق الحياة في 31 أيّار عن عمر يناهز الـ 72 سنة.
«الأمل ظلّ حاضراً لأن ينجو الوالد من الموت» يقول غسّان. الصلاة بالنسبة الى الياس صفير فوق كلّ اعتبار. وهو رياضي لا يدخّن ولا يشرب الكحول، اقتنع من أولاده بترك عمله في جونية ليرتاح في آخرته، وكان يمارس المشي الهواية الأحبّ الى قلبه لمدّة 4 ساعات يوميّاً قبل أن يمضي في رحلته الأخيرة.
اليوم وبعد أن صلّت البلدة وأبناؤها عن روحه بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته في كنيسة سيّدة المعونات، يبقى الشوق كبيراً في قلوب أولاد الشهيد غسّان، ريتا، ليديا ونيكول، وأحفاده الثمانية الذين فقدوا «الغالي الآدمي، الذي يحلف الناس بحياته، والذي جمع شمل العائلة في بيت واحد».
فقد كان الشهيد «الأب قبل الجدّ» يقول الحفيد الذي يحمل اسم جدّه، «والقدير الذي ضحّى في حياته كلّها حتى ذهب ضحيّة القصف الإسرائيلي» كما تقول حفيدته إيليان. أمّا حفيده سيرجيو ابن العشر سنوات، فيقول لجدّه وهو في عليائه «اشتقت لك، يا ليتك لم تمت». وأما ابنة الشهيد ريتا فتتمنى «أن يكون والدها فعلاً الشهيد الأخير وألا يكون بعده شهداء لبنانيّون».