هل من ضرورة لمزيد من الأحزاب في لبنان؟ واستطراداً، هل من ضرورة لحزب الخضر؟ وماذا عن حزب البيئة الذي سبق نشوء حزب الخضر ويتقاطع معه في الكثير من الأهداف؟ أسئلة لم يجب عنها المجتمعون أمس في فندق مونرو لإعادة إطلاق «الخضر اللبنانيّون»
بسام القنطار
يؤخذ على أحزاب الخضر حول العالم أنها نتاج مديني نُخبوي يفهم مختلف القضايا الحياتية من زاويته، ويتعامل معها تالياً من موقع انتقائي. اجتماع «الخضر اللبنانيّون» في بيروت أمس لم يشذّ عن هذه الرؤية. 65 شخصية نخبوية، بينها قيادي في حزب سياسي ومحامون ونقابيّون وأطباء ومديرو جمعيات أهلية وأصحاب شركات، اجتمعوا لإعادة إطلاق «حزب الخضر» الذي كان قد حاز العلم والخبر بموجب قرار مجلس الوزراء الرقم (65) تاريخ 3 حزيران 2004 ولم يُفَعَّل في حينها، فعاد اليوم ليحصل على «علم وخبر» جديد بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية والبلديات حسن السبع رقمه 709 تاريخ 12 حزيران 2008، وذلك بعد إلغاء المرسوم الذي لا يجيز الاعتراف للجمعيات السياسية إلا بقرار صادر عن مجلس الوزراء، في مخالفة واضحة استمرت لعقود في لبنان، بما يتناقض مع روحية قانون الجمعيات العثماني الصادر عام 1909 الذي لا يزال معمولاً به في لبنان حتى اليوم.
الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات عرض ميثاق الحزب عبر ورقتي عمل سياسية واقتصادية. كما أُلِّفَت الهيكلية الداخلية للحزب وانتُخب مجلس تنفيذي مؤلّف من 20 شخصاً انتخبوا بدورهم فيليب سكاف رئيساً للحزب، ندى زعرور نائبة للرئيس، أسامة صفا أميناً عاماً، وسوسن بو فخر الدين أمينة للشؤون المالية.
النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي، أكرم شهيب، كان حاضراً في اللقاء، لكنّه حرص على ألا يكون في الواجهة، فلم يتحدّث في الجلسة الافتتاحية، واكتفى بتقديم مجموعة ملاحظات خلال مناقشة ميثاق الحزب. لكنّ العلم والخبر الصادر عن وزارة الداخلية يظهر أن مركز الجمعية المسمّاة «حزب الخضر» هو العقار الرقم 594 الذي يملكه النائب شهيّب في عاليه. كذلك فإن ممثل الجمعية لدى الحكومة هو منير أبو غانم، المدير السابق لجمعية الثروة الحرجية والتنمية، وأحد أبرز مساعدي شهيّب، الذي يعمل حاليّاً في الإمارات.
حدّد شهيّب خلال مداخلته رؤيته لعمل الحزب الجديد: «يجب أن يكون أداة ضغط، لا أداة تغيير كي لا يدخل في المحظور». أي بمعنى آخر، مجموعة ضغط تشبه غيرها من المجموعات الأهلية والنقابية، ولا تطمح للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات النيابية في المدى المنظور.
وفي موضوع ازدواجية الانتماء، تشير ورقة البرامج والمبادئ التي أقرها المجتمعون إلى أن «من المهم أن يكون هناك ازدواجية في الانتماء في ظل تنوّع البيئيّين بين يميني ويساري وطائفي وعلماني وعروبي إلخ»! ولقد اعترض عدد من الحضور على هذا النص، الأمر الذي استدعى إضافة تعديل يقول بضرورة «أن لا يترشح لمنصب قيادي داخل حزب الخضر من يحتلّ منصباً قيادياً في حزب سياسي آخر». شهيب قال لـ«الأخبار» إنّ «ثمّة اتفاقاً ضمنياً بين الأعضاء المؤسسين على أن أياً منهم لن يترشّح للانتخابات النيابية في السنوات العشر المقبلة، على أن يجري التركيز حالياً على لملمة شمل الجمعيات البيئية المشتّتة التي يمكن من خلال اتحادها توسيع حلقة الضغط في مختلف القضايا البيئية». ونفى شهيب أن يكون موضوع ازدواجية الانتماء يعنيه وحده، فهناك النائب السابق قيصر معوض والنائبان الحاليان عاطف مجدلاني وغسان مخيبر الذين شاركوا في النقاشات المتعلقة بانطلاق الحزب.
المدير العام لوزارة البيئة، بيرج هاتجيان، أشار إلى أنه حضر الاجتماع بصفة مراقب، وأن منصبه يمنعه من الدخول في حزب سياسي. وتركّزت مداخلات هاتجيان خلال النقاش على العديد من القضايا، أبرزها تغيير القوانين المتعلّقة بحماية البيئة والعلاقات المفترضة بين حزب الخضر ومختلف الوزارات والدوائر الرسمية المعنية.
رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية، نجيب صعب، الذي حضر بصفة مراقب أيضاً، رأى أنّ من «البدع الغريبة أن أحزاباً تحمل اسم الخضر أو البيئة تسمح بازدواجية انتماء العضو إليها وإلى حزب آخر في الوقت عينه. فكيف يمكن التوفيق بين الانتماء إلى حزبين سياسيين مختلفين، وإلى أي منهما يكون الولاء في حال تعارض البرامج؟ وإذا كان التجمّع يفتقر إلى الولاء لمبادئ ومؤسسات وبرنامج يكفل الوصول إلى السلطة، فلماذا نصرّ على تسميته حزباً؟».
وأضاف صعب: «الحزب مسألة جدية، وليس مجرد اسم وشعار. وقبل أن تسمي بعض التجمعات نفسها حزباً، عليها أن ترتقي إلى مستوى الجمعية الأهلية البيئية الحقيقية، التي تمتلك البرامج والأعضاء والمؤسسات. وقد تقرر التحول إلى حزب إذا نجحت في إضافة البعد السياسي والبرنامج المتكامل للوصول إلى السلطة».
الأمين العام لحزب الخضر، أسامة صفا، عرض وثيقة الخضر الاقتصادية التي أعدها الباحث الاقتصادي في الجامعة الأميركية في بيروت جاد شعبان تحت عنوان «نحو عقد اقتصادي اجتماعي جديد للبنان». ورأى صفا أن حزب الخضر يصنف نفسه حالياً في خانة «اليسار الوسط»، وهو يركّز على تبني اقتصاد السوق الاجتماعي. ويرى الحزب أنه يمكن تحقيق سياسات النمو بشكل أفضل في لبنان إذا ما غابت أشكال التكتلات الاجتماعية والنزاعات الطبقية والتوترات الطائفية.
وتطرح هذه الرؤية الاقتصادية تساؤلاً عن مدى تقبل مجتمع هجين كلبنان يجمع بين الرأسمالية مع غلبة البورجوازية المالية وقطاعات عريضة تعاني التخلّف والتبعية، وعن آلية تعبيره عن أولويات هذه القطاعات.
ورغم أن حزب الخضر يطرح شعار «الأرض لا طائفة لها»، فإن التحدي الأساسي الذي يمكن أن يواجهه يتعلق بمدى قدرته على العمل ضمن مساحة الوطن والقفز فوق الحاجز الطائفي ومتاريسه وكيفية التعامل مع الموروث الثقافي.
الناشطة في حزب البيئة اللبناني، بسمة شباني، رحبت بنشوء حزب الخضر ورأت أن «هذا الأمر لا يمثّل عقدة على الإطلاق لحزب البيئة اللبناني الذي يعمل منذ بداية عام 2005 على الساحة اللبنانية». وفضلت شباني عدم الدخول في أي موقف لحزب البيئة في ما يتعلق بالحزب الجديد إلى حين الاطلاع على أوراق العمل والمبادئ التي يتبناها والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. وأضافت: «أن مسألة نضوج فكرة قيام حزب بيئي آخر في لبنان قضية قابلة للبحث لا يكفي لترجمتها العملية أن تتوافر القناعة، بل تستوجب وقفة لعدم الوقوع في الازدواجية والتكرار وتشتيت الجهود، لأن التشتيت حاصل أصلاً في الجمعيات البيئية الموجودة وتكريس هذا التشتيت في تنظيم سياسي هو إضافة جديدة إلى المشهد السياسي والأهلي اللبناني، لا نعرف ماذا ستكون مفاعيله في المستقبل».
ونفت شباني أن يكون هناك أي عملية تواصل بين حزب البيئة وحزب الخضر أو أي مبادرة لتوحيد الجهود. وأضافت: «نحن على استعداد لتوحيد الجهود، ولكن نحن حزب نفتخر بأننا أسّسنا لإيديولوجيا فكرية اعتنقناها ونسعى لتطبيقها، وأهمها أننا حزب ينطلق من القضية البيئية بكل أبعادها الحياتية، إلى كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من منظار شامل، وعابر للطوائف والمناطق والحدود، وسوف نسعى إلى التغيير من خلال ممارسة العمل السياسي المباشر الطامح إلى التغيير، لا إلى إحداث قوة ضغط فقط».


لقطات

- حرص المنظّمون على توزيع شعار الحزب المكوّن من بقعة خضراء على شكل شجرة مزروعة داخل مستوعب.
- استخدمت في الاجتماع بطاقات صفراء وخضراء وحمراء للدلالة على نوعية المداخلة المطلوب تقديمها.
- وُزِّع قرص مدمج تضمّن تقريراً يحمل عنوان «البيئة في لبنان: منذ الاستقلال وحتى اليوم (تقرير أولي)» يقع في 180 صفحة ويتضمّن عرضاً لمختلف القضايا البيئية في لبنان، مع مقدمة موقّعة باسم رئيس الحزب فيليب سكاف الذي عرض بعد انتخابه ملخّصاً عن التقرير.
- ضمّ المجلس التنفيذي للحزب قيصر باخوس، نجل النائب السابق أوغست باخوس وعدداً من الشخصيات، أبرزها: النائب السابق قيصر معوض، نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، آنا منصور، سمير سكاف، لمياء منصور، فيفي كلاب، فادي أبي علام، سليم خليفة، منير أبو غانم، ليون سيمرجيان وماري تيريز.