على وقع هتافات «الموت لآل سعود» التي أطلقها المحتشدون في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت أمس، وضع الامين العام لحزب الله امس عنواناً للمعركة الدائرة في المشرق حالياً. بالنسبة إليه، العدو هو الإدارة الأميركية. وسمّى «وكلاءها» في هذه المنطقة، واضعاً الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في الخانة نفسها مع زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وامير تنظيم القاعدة العالمي أيمن الظواهري، وأميرها في سوريا أبو محمد الجولاني. وبلهجة غير مسبوقة لجهة حزمها، وضع نصرالله المشاركة في المعركة الدائرة حالياً في مصاف الدفاع عن الوجود، قائلاً إن «التخلف عن الحرب اليوم كترك الإمام الحسين وحيداً» في كربلاء. وركّز نصرالله في خطابه، في ليلة العاشر من محرّم، على كون الإدارة الأميركية هي الرأس الحقيقي للمحور الصهيوني التكفيري في المنطقة. قال إن «أميركا، كوريث لقوى الاستعمار القديم، ومعها بقية قوى الاستعمار القديم وفي مقدمها فرنسا وبريطانيا، هدفها الهيمنة على بلادنا، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً أيضاً.
ما تريده أميركا يجب أن يخضع له الجميع، ومن لا يخضع فليأذن بحرب ذكية ومتنوعة ومتعددة الأشكال من قبل الولايات المتحدة الأميركية، حرب عسكرية حيناً وحرب سياسية حيناً وحرب اقتصادية وحرب أمنية وحرب إعلامية، وحصار وعقوبات، فليستعدّ».
وأضاف الأمين العام لحزب الله أنه «في الظاهر النفط والغاز هو للحكومات العربية والإسلامية، ولكن في الواقع هو لأميركا ولشركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية. الحكومات لا تملك حتى أن تسعّر النفط، يعني عندما تريد أميركا أن توجه ضربة اقتصادية كبيرة مثلاً لإيران أو للعراق أو لروسيا أو لفنزويلا أو لأي دولة في العالم في دائرة المواجهة والإخضاع، هي تأمر الحكومات العربية والإسلامية بأن تخفض سعر النفط، ولو كانت هذه الحكومات هي أيضاً سيلحق بها الفقر والعجز والمصاب. هم يريدون خيرات بلادنا لهم، وأيضاً هم يريدون بلادنا أسواقاً لهم. فقط هذه السنتين والثلاث سنوات إذا كنتم تتابعون الأخبار، كم صار المشترى من قبل السعودية وقطر والإمارات ودول أخرى من السلاح من أميركا بشكل خاص، ومن فرنسا وبريطانيا؟ عشرات مليارات الدولارات من طائرات وسفن ومدافع ودبابات والله أعلم إن كانوا يحتاجونها أو لا يحتاجونها، ولكنهم يرتبون أسواقاً لشركات السلاح الأميركية الكبرى، لأن الذي يحكم في أميركا ليس جمعيات حقوق الإنسان، بل الذي يحكم في أميركا هم أصحاب شركات النفط الكبرى وشركات السلاح الكبرى».

أرادوا تطييف حرب اليمين ليأتي المرتزقة للقتال نيابة عن التنابل


وأكّد نصرالله أن «الكثير من دولنا وحكوماتنا هي حكومات سلطات حكم إداري ذاتي يرأسها من يسمى ملكاً أو أميراً أو رئيساً، ولكن هي ليست دولة حقيقية وليست سلطة حقيقية، لأن قرار السياسة الخارجية هو لأميركا، وقرار الحرب والسلم عند أميركا، وقرار النفط والغاز عند أميركا، وقرار السوق الكبرى عند أميركا». ولفت إلى أن «إسرائيل ليست المشروع، بل هي أداة تنفيذية في مشروع الهيمنة الأميركي الغربي على منطقتنا، لذلك يقومون بحمايتها، وإذا تعرضت لخطر جدي فسيقاتلون للدفاع عنها. (...) إسرائيل هي أداة. الذي يتحمل المسؤولية الأولى وبالأساس عن كل جرائم إسرائيل ومجازر إسرائيل واحتلال اسرائيل وما تفعله اليوم في القدس وفي المسجد الأقصى وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل فلسطين قبل نتنياهو وجيش نتنياهو الإرهابي، هو أمريكا والإدارات الأميركية المتعاقبة».
وأكد ان «مشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة» لن يسمح بأن تقوم دولة قوية ومستقلة، مصر أو باكستان مثلاً. «هنا لا يوجد سني شيعي، ولا يوجد مسلم ومسيحي. أي دولة تريد أن تصبح حرة سيدة مستقلة مقتدرة في إقليمها ممنوع عليها أمريكياً».
ولفت إلى «خدعة الديمقراطية» التي تستخدمها الولايات المتحدة لفتح سجلات الدول والأنظمة والقوى التي لا تنصاع لها، فيما هي تدعم «أعتى الديكتاتوريات في المنطقة وأسوأ أنظمة الفساد في المنطقة، وأسوأ أنظمة الاعتداء على حقوق الإنسان في المنطقة، وتدعم أنظمة لا دساتير فيها ولا انتخابات فيها ولا تداول سلطة ولا هامش ولو بسيط على الإنترنت للتعبير عن الرأي، وإلا يحكم عليه بمئة جلدة أو بألف جلدة أو بالإعدام».
وتحدّث عن «كذبة الأميركيين» في ما يخص المشروع النووي الإيراني، والخديعة الأمريكية الإسرائيلية، بأن إيران تريد أن تصنع سلاحاً نووياً «بل ادعوا أن إيران صنعت سلاحاً نووياً وأخفته». ثم فرضوا حصاراً على إيران «بهدف إخضاع الشعب الإيراني. كذبة عمرها 13 سنة ألحقت الأذى بشعب بكامله هو شعب إيران والأذى أيضاً باقتصاديات دول أخرى كانت تتعامل اقتصادياً مع إيران، وكاد ـ في أكثر من مناسبة ـ الموضوع النووي أن يطلق حرباً إقليمية».
وأشار إلى أن المقاومة العراقية هزمت أمريكا، «ولكنه عرس لم يحضر فيه العريس، لم يحتفلوا به، جئنا نحن لنحتفل به احتجوا علينا». واليوم، في العراق وسوريا، «دول غربية وعربية وإقليمية تجمع عشرات الآلاف من المقاتلين التكفيريين وتأتي بهم من كل أنحاء العالم، وكلنا نعرف إن أراد شخص تحصيل تأشيرة كم يتعب، وتقدم لهم التسهيلات وتقدم لهم الأموال وتقدم لهم آلاف الأطنان من السلاح والذخائر، وأسلحة متطورة جداً. هذا مشروع أمريكي تعمل به السعودية ودول عربية أخرى وتركيا ودول غربية». وبحسب نصرالله، «تريد أميركا اليوم أن تُخضِع العراقيين، وتفرض عليهم دستوراً ورئيس حكومة وتحدد لهم سعر النفط وتقيم قواعد لها في بلادهم، وتقول لهم: إذا كان يناسبكم هذا يا عراقيين فلتتفضلوا معنا لنتخلص من داعش، وإذا لم يناسبكم هذا الأمر فلندع داعش تفعل ما تشاء».
وشدّد على أن الحرب على اليمن «هي حرب أميركية، أرادوا لها أن تأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً، «حتى يجد التنابل وجيوش التنابل مرتزقة ومتطوعين ليقاتلوا بالنيابة عنهم. المطلوب كان في سورية وفي العراق ومنذ أشهر في اليمن، أن تستفز مشاعر المسلمين السنّة والشباب السنّة، ويقال لهم هذه معركة الشيعة والسنّة وتعالوا قاتلوا، قاتلوا بالنيابة عن الملوك وعن الأمراء وعن الكروش وعن أصحاب مليارات الدولارات وعن ناهبي الشعوب، وفي نهاية المطاف، نتيجة هذه المعركة هي لأميركا». وبعدما ذكّر بخطاب إمام المسجد الحرام في مكة، الذي قال إن الحرب مع اليمن هي حرب مع الشيعة، وجّه نصرالله تحية «للعلماء السنّة الصادقين والمخلصين وللقوة الإسلامية السنيّة على امتداد العالم الاسلامي ــ وأنا أقول لكم وأعترف ــ كان لهؤلاء الفضل الأكبر في عدم السماح بأن تتحول هذه الحرب إلى حرب سنية ــ شيعية».
ولفت إلى أن «الحرب القائمة الآن وتقودها أميركا وتخوضها دول وجيوش هدفها إخضاع كل أولئك الذين رفضوا الخضوع، وأولئك الذين أسقطوا مشروع الشرق الأوسط الجديد في عام 2006 عندما جاءت كوندوليزا رايس وقالت ما قالت. بوش ورايس ومن خَلفهم كان لديهم مشروع شرق أوسط جديد. من الذي أسقط هذا المشروع؟ أسقطته المقاومة في لبنان، أسقطه حزب الله وحركة أمل، أسقطه كل الذين وقفوا مع المقاومة في لبنان وتضامنوا معها في لبنان عام 2006، أسقطته سورية الأسد بصمودها، أسقطته فلسطين بانتفاضتها ومقاومتها، أسقطته إيران بمواقفها الصلبة ودعمها الصادق. من هنا علينا أن نعرف حقيقة المعركة الآن، هي معركة بين جبهتين، تلك الجبهة قائدها ليس أبو بكر البغدادي ولا أيمن الظواهري وليس أبو محمد الجولاني ولا سلمان بن عبد العزيز، ولا فلان ولا فلان. قائدها الأميركي والإدارة الأميركية، وكل من معهم. وفي هذه الجبهة، يقف كل من يرفض الخضوع للإرادة الأميركية».
وتوجّه نصرالله إلى الذين يراهنون «على تعبنا أو يقوم بتعداد شهدائنا» بالقول: «في كربلاء الجميع استشهد، نجا واحد أو اثنان، أريد من الذي يقوم بتعداد شهدائنا أن يسمع، والذي يراهن على تعبنا أن يسمع والذي يراهن على تراجعنا أن يسمع: هذه معركة نؤمن بها ونخوضها عن بصيرة وسنشارك فيها وسننتصر فيها إن شاء الله، أقول لكم سننتصر فيها إن شاء الله، لكن هذه المعركة بهذا الفهم وبهذه الحقيقة وبهذه البصيرة لا يمكن أن ننسحب منها أو نتخلى عنها أو نتراجع فيها، وأقول لكم بكل صراحة: من يتراجع ـ وليس فينا من يتراجع ولكننا نفترض ـ من يفكر أن يتراجع فهو كمن يترك الحسين ليلة العاشر في وسط الليل».
(الأخبار)