عندما اختُطف التشيكيون الخمسة منتصف شهر تموز الماضي، تلقّت عائلة المرافق اللبناني للمخطوفين آنذاك صائب طعّان فياض اتصالاً من السفارة التشيكية في لبنان تطلب فيه لقاء أحد أفراد العائلة. حينذاك، قوبل الإتصال بالرفض، على اعتبار أن العائلة كانت قد طلبت لقاءات عدّة سابقاً، ولم تلق جواباً. إلا أنّ هذا الرفض لم يثن السفير التشيكي عن تكرار الطلب، على أن يزور هو العائلة في مكان إقامتها.
تحدّد اللقاء على هذا الأساس، وحضر السفير ومعه موظف في السفارة إلى بلدة الدوير الجنوبية، حيث التقيا أحد أفراد عائلة فياض. خلال اللقاء، الذي لم يدم طويلاً، كان سؤال الضيفيْن واضحاً: هل خَطف صائب فياض التشيكيين الخمسة؟ وعلى هذا السؤال، لم يكن في جعبة العائلة إلا جواب واحد «نحن نعتبر أن شقيقنا صائب هو المخطوف السادس»، هذا ما ينقله ابن شقيقة المفقود، وسام الحاف.
حدث هذا عقب بضعة أيامٍ من الحادثة. أما لماذا سُئلت عائلة صائب؟ فهنا بيت القصيد، فالعائلة لم تُسأل لأن ابنها صائب هو الذي أقلّ التشيكيين من مطار بيروت الدولي، ولكنّها سُئلت لأنها أيضاً هي نفسها عائلة علي فياض، الموقوف منذ نيسان عام 2014 في تشيكيا بمذكرة توقيف أميركية بتهمة «الإتجار بالسلاح». وقد تبدو هذه الزيارة طبيعية جداً، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الروايات ــ التي لم تؤكدها أي جهة رسمية إلى الآن أو على الأقل لم تتحدث بها بشكلٍ علني ــ التي تشير إلى أن صائب خطف التشيكيين من أجل مقايضتهم بشقيقه علي. وثمة رواية أخرى تشير إلى ان صائب اتفق مع محامي الدفاع عن شقيقه، وهو أحد التشيكيين الخمسة المفقودين، لافتعال حادثة الخطف من أجل هذا الأمر.
بعيداً عن الروايات ومدى صحتها، يدخل «لغز الإختطاف» أسبوعه الثامن، إذ لم تَرد من الجهة الخاطفة أي رسالة ولم ترد أي معلومات رسمية في هذا الشأن، وخصوصاً في ظل التكتم من الجانبين اللبناني والتشيكي. لا شي سوى الإنتظار. وإلى حين بروز طرف خيط قد يساعد، تبقى المعلومات المسرّبة هي ما تبني عليه العائلة لتجميع قطع البازل.
فلنبدأ القصة منذ 16 تموز، يوم اختفى التشيكيون الخمسة على طريق كفريا في البقاع الغربي. حينذاك، كانت المعلومة الوحيدة المتوافرة من الحادثة بكليتها هي وجود «شقيق أحد الموقوفين في تشيكيا بصحبة الوفد». بعدها، عُلم بأن من بين المفقودين محامي الموقوف اللبناني في تشيكيا والمترجم وصحافيين. من هنا، بدأ التحقيق لدى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. قبل حادثة الخطف لم يرد ذكر لعلي فياض إلا أنه متهم في تشيكيا بتهمة الإتجار بالسلاح. لا أكثر ولا أقل. باختصار، لم تكوّن الدولة اللبنانية ملفاً عن مواطن لبناني موقوف منذ عامٍ ونصف عام في تشيكيا، إلا حين خطف خمسة من رعايا تلك الدولة. وفي المعلومات المسرّبة التي التقطتها عائلة المفقود والموقوف من «وسائل الإعلام وبعض الأشخاص لا من الدولة اللبنانية»، تكوّن الملف على هذا الشكل: «يقال بأن علي فياض موقوف بتهمة الإتجار بالسلاح وبملف مخدرات مع لبنانيين آخرين هما فوزي جابر وخالد المرعبي، والثلاثة متهمون بحسب برقية أميركية وصلت إلى الاجهزة الامنية التشيكية بمحاولة بيع أسلحة لفصيل القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، مقابل استلامهم كميات من المخدرات»، يقول أحد أفراد العائلة. ويضيف بأنه بعد حادثة الإختطاف، بدأت عملية ربطها بقضية علي، وبدأ «الترويج لفكرة أن صائب خطف هؤلاء، بايعاز من جهة سياسية حزبية لبنانية، مقابل إطلاق سراح علي»، من قناة الغمز إلى حزب الله «على اساس ان علي شيعي وكل شيعي محسوب على هذا الحزب... والارهاب». وثمة من ذهب أبعد ذلك بالقول أن «الحادثة حصلت من أجل إحباط محاولة الدولة التشيكية تسليم الموقوفين الثلاثة إلى اميركا».
هكذا، تسربت الأخبار. أما بالنسبة إلى العائلة، فروايتها على نحوٍ آخر. فهي تنفي جملة وتفصيلاً «التهمة المنسوبة إلى علي بأنه ضمن مافيا للمخدرات»، يقول وسام الحاف، ابن شقيقة الموقوف والمفقود، مشيراً في الوقت عينه إلى أن خاله «شغله شغل سلاح، ولكن بالقانون». يقول الحاف إنّ «علي فيّاض موظّف مرموق في الدولة الأوكرانية ويحمل جنسيتها، وهو مكلّف من قبلها إيجاد زبائن لبيع السلاح فقط وليس مفوضاً من الحكومة الأوكرانية بعقد الصفقات ولا البيع والشراء، فهذه يتولاها مندوب رسمي من وزارة الدفاع بعدما يتفق علي مع الشارين المفترضين». ضمن هذه المهمة، وبحسب ما يرد في محضر التحقيق مع علي فياض «بأنه تلقى اتصالا من شخص يدعى جوزف نون، على اساس انه رجل اعمال وتاجر ولديه شركة مرخصة ويرغب بالشراء لعدة دول». ويتابع: «عندها طلب فياض اذنا مسبقاً من الدولة الاوكرانية، فسمح له بذلك وتم اللقاء في بولندا، وخلال الاجتماع تبين لفياض انهم لا يملكون اي شركة وليس لديهم اي صفة رسمية وانهم طلبوا منه شراء الاسلحة لقتال الاميركيين. وكان رد فياض بأن أوكرنيا تبيع الأسلحة وفقاً للقوانين، مشيراً إلى أن اللقاء كان مجرد تعارف رسمي عليهم وتقييمهم ما اذا كانوا من المرخص لهم بالشراء وليعرف طلباتهم، وأنه لم يكن يعرف أسماء كامل أعضاء الوفد، ولكنه يعرف اسماء اللبنانيين اللذين تعرف عليهما في الاجتماع وهما فوزي جابر وخالد المرعبي، وهما متهمان بملفات مخدرات». استغرق الاجتماع عشر دقائق وأعيد اللقاء في براغ، حيث أوقف فياض، بناء على «مذكرة توقيف اميركية صادرة عن المدعي العام في جنوب نيويورك بتهمة التآمر ضد الولايات المتحدة الاميركية في الخامس من نيسان العام الماضي».

السلطات الأوكرانية تؤكد أن ما قام به فياض يدخل في صميم عمله الرسمي


كان ذلك في الرابع من شهر نيسان من العام الماضي. وبعد يومٍ واحد، أرسلت السفارة الاوكرانية في تشيكيا رسالة بريد الكتروني إلى وزارة العدل التشيكية تأسف فيها لاعتقال فياض «الذي يبدو أنه من الواضح جداً لم يقم بأي مخالفة يعاقب عليها القانون عندما ادار مباحثات مع اشخاص تتعلق باحتمالية شرائهم الاسلحة مستقبلاً، حيث ان مثل هذه المباحثات تدخل في صميم عمله كمستشار للمدير العام لشركة اوكوسبيك اكسبورت التابعة للدولة الاوكرانية». في الثامن من الشهر نفسه جاء الرد بأن أصدرت المحكمة في براغ قراراً بحبس فياض «احتياطياً لمدة شهرين كحد أقصى على أن ترسل أميركا الوثائق الرسمية المدعمة بالادلة المادة الكافية وهو ما لم يحصل». وعندما حاول محامو االدفاع معرفة أسباب التوقيف، جاء الجواب بأن «الدعوى الاميركية تفيد بأن فياض اجتمع مع عملاء سريين اميركيين، كانوا يقومون بتسجيل ما جرى بتكليف من المخابرات الأميركية».
وبحسب محضر التحقيق أيضاً، أرسلت الولايات المتحدة طلباً إلى الحكومة التشيكية بتسليم الموقوفين «علماً أن الطلب لم يحتو الا على شهادة من قبل العميل السري وادعاء بوجود رسالة الكترونية من فياض المرتبط بحزب الله المدرج على قائمة الارهاب من دون ان ترفق الرسالة كدليل».
حتى هذه اللحظات، لا يزال فياض موقوفاً «احتياطياً» في سجون الدولة التشيكية منذ عام ونصف عام، فيما الدولة اللبنانية لم تكوّن ملفها بعد عن مواطن لبناني قبل أن يكون أوكرانياً. فوزارة الخارجية عندما حاولنا الإتصال بها، أشارت إلى أن القضية سياسية بامتياز والقضايا السياسية تحول إلى الوزير مباشرة. والوزير لم يجب على أي اتصال من «الأخبار».
العائلة وضعت هذا الامر برسم الدولة اللبنانية. «الوحيد الذي حاول المساعدة في هذا الأمر هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي توكل القضية بناء على طلب من العائلة»، لكن، هل هذا يكفي؟ ولمَ لم تتحرك الدولة لمعرفة اسباب توقيف أحد مواطنيها؟ ولم تتحرك تالياً لمعرفة مصير المفقودين؟



زاروا لبنان 4 مرّات


بالنسبة لشعبة المعلومات التي تدير تحقيق اختطاف التشيكيين الخمسة، فيشير وسام الحاف إلى أنه «تم استدعاء أفراد من العائلة أكثر من عشر مرات للتحقيق معهم بعد الحادثة، ولكننا لا نعرف أي معلومة باستثناء ما يروّج عن ان صائب اختطف التشيكيين، بايعاز من جهة سياسية، من أجل مقايضتهم بعلي». ويشير إلى أن «التشيكيين الذين خُطفوا، وغالبيتهم صحافيون، كانوا قد حضروا اربع مرات الى لبنان للاجتماع بنا، وفي المرة ما قبل الأخيرة حاولنا مساعدتهم في اعداد تقارير عن النازحين السوريين في عرسال ولكنهم لم يوفقوا بإذن من قيادة الجيش». وفي المرة الاخيرة «عندما حضروا كان معهم شخص خامس عرفنا عنه لاحقاً، وهو مسؤول رفيع المستوى له علاقة بالمخابرات والتنسيق الامني وكان في افغانستان بمهمات محدودة سابقاً».