الارتباك والتشنّج ظهرا بوضوح على ملامح الوزير نهاد المشنوق. كان يخشى من حصول مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية. وصارت الأسئلة السياسية بارزة في حديثه، وعدم إخفاء «خوفه من قرار ما بتحويل الساحات من مكان للاحتجاج السلمي على أزمة النفايات إلى ميدان للصراع السياسي وتصفية الحسابات».
في «الداخلية»، يسود الاعتقاد بأن «هناك من يدخل على خطّ التظاهرات بهدف واضح، وهو استفزاز المتظاهرين وقوى الأمن معاً واستدراجهم إلى صدامات واشتباكات». وقد اكتسبت هذه النظرية أهمية بعد ربطها بتصريح المشنوق أول من أمس عن «قيام دولة عربية صغيرة بدور فعّال في التمويل والتحريض على التظاهر»، لكن المشنوق رفض تقديم أي تفاصيل عن هذا العنوان.
بعدما وصل المتظاهرون الى مدخل وزارة البيئة لمطالبة الوزير محمد المشنوق بالاستقالة، كانت الأمور هادئة وعادية بالنسبة إلى المسؤولين في وزارة الداخلية، لكن الأمر اختلف تدريجاً بعدما قرّر المتظاهرون اقتحام مبنى الوزارة. اشتعل محيط «العازارية». عندها، يقول مسؤولون في الوزارة إنهم «نظروا بقلق وحذر إزاء ما يحصل، وذلك ربطاً بطبيعة التقارير التي وصلت إلى أيدي الوزير منذ يومين، وتشير إلى شيء ما يُحضّر يتجاوز الخطّ الأحمر المسموح به».

القرارات التي
أصدرها عدد من الضباط لم تكُن بالتنسيق مع المشنوق وبصبوص


في هذه الأثناء، كان الوزير المشنوق يكثّف اتصالاته التنسيقية مع الأجهزة الأمنية كافّة، مُصرّاً على «عدم استخدام العنف مع المتظاهرين». وعلى خطّ آخر، كان يتلقى الاتصالات السياسية، من العماد ميشال عون والرئيس نبيه برّي، والرئيس تمّام سلام والنائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس سعد الحريري. مصادر الصنائع تقول إن المتصلين «أكدوا الوقوف مع الوزير، وتأمين الغطاء السياسي لقوى الأمن الداخلي للقيام بواجبها».
طلب المشنوق المعلومات تباعاً عن «أعداد الجرحى والمُصابين خلال أعمال الشغب»، قبل أن يوفد إلى المعتصمين داخل وزارة البيئة وفداً أمنياً من قبله للتفاوض معهم، وإبلاغهم «بوجوب الانسحاب من الداخل بشكل سلمي، والتأكيد على أن وزير البيئة لن يستقيل تحت الضغط الممارس».
وكان واضحاً أن المعلومات الأمنية التي وصلت إلى مسامع الوزير زادت من حدّة انزعاجه، وخصوصاً بعدما ظهر أن «القرارات التي أصدرها عدد من الضباط لم تكُن بالتنسيق المباشر معه، ولا حتى مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص»، ما يفتح باباً للتساؤلات عن المستفيد من إصدار قرارات منفردة في التعاطي مع المتظاهرين، ومن يقف وراء إصدار أوامر ساعدت في تأجيج حدّة التوتّر.
ومع طفرة الحديث عن «التشبيح» الذي يمارسه عناصر قوى الأمن الداخلي بحق المتظاهرين، كان هذا الجهاز أمام تحدٍّ ليس سهلاً، ولا سيما أن الاتفاق مع قيادة الجيش على التدخّل في حال لزم الأمر لم يُطبّق. وتقول مصادر أمنية إن العماد جان قهوجي الذي كان قد أكّد في اجتماعات تنسيقية مع الوزير المشنوق على تظهير دور الجيش على الأرض، لم يف بوعده. فكان واضحاً قرار قهوجي البقاء على الحياد، ورفضه حتّى إنزال دورية واحدة إلى محيط مبنى «العازارية» في خلفية غير مبرّرة. وكأن هناك «محاولة لتوريط قوى الأمن في الساحة، وترك عناصرها وحدهم يتحمّلون مسؤولية أي نقطة دم قد تُسال». وهو «تخلّ» لم تجد فيه المصادر إلا خطوة «نكائية» غير مفهومة.
فوجئ الوزير المشنوق بحال الفوضى والشغب المرجّح للتوسع. جهّز نفسه لأكثر من فرضية يمكن أن تصبح واقعاً في الأيام المقبلة، مع علمه بأن الإجراءات الأمنية ليست سوى «ترميم» لا يضمن عدم وقوع الهيكل فوق رؤوس الجميع. ويعقد المشنوق اليوم مؤتمراً صحافياً يُعلن فيه «مسار التحقيقات في الأحداث الأخيرة». ومن المتوقّع أن «ينطلق منها للتمهيد إلى تسمية الأمور بأسمائها»، وخصوصاً أن «تصريحه عن دخول جهات خارجية على خطّ التحركات يعني أنه لم يعُد قادراً على بلع الموسى».