قبل يومين من الاجتماع الذي عقد في ساحة بلدية تل حياة في عكار يوم الأربعاء الماضي بدعوة من رئيس بلديتها خالد خالد، الذي يتبوأ في الوقت نفسه منصب رئيس اتحاد بلديات السهل، تلقى اتصالاً من مكتب وزير الداخلية نهاد المشنوق يطلب منه الحضور إلى الوزارة للقاء الوزير، لكنه اعتذر لارتباطه في الموعد نفسه بالاجتماع مع رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات منطقته للتباحث معهم بموضوع الساعة في عكار، ألا وهو النفايات، مفضلاً تأجيل اللقاء مع الوزير إلى اليوم التالي.
بالطبع، لم يعاود مكتب الوزير الاتصال بخالد لتحديد موعد جديد له. كان واضحاً أن الهدف من تحديد موعد له في ذات الموعد الذي شهدته بلدته، إلغاء أو تأجيل الاجتماع الذي كان يجري الإعداد له في المنطقة لمناقشة اقتراح نقل نفايات بيروت وبعض مناطق جبل لبنان إلى عكار، لأن خالد شكّل مع آخرين رأس حربة ضد الاقتراح سعياً إلى إفشاله.
لكن القلق الذي بات يسود في صفوف نواب تيار المستقبل ومنسقيه وكوادره في عكار ــ بسبب اتساع رقعة الرفض والغضب الشعبي من تحويل المنطقة مكبّاً لنفايات العاصمة، وباتت تكبر مثل كرة الثلج، خصوصاً بعد الاعتصامات التي شهدتها ساحتا حلبا والعبدة ــ دفع المشنوق إلى الاتصال بخالد قبل الاجتماع ببلديته، مؤكداً له أنه «لن نرسل شاحنة نفايات واحدة إلى عكار إذا كان طفل واحد فيها يرفض ذلك!»، بحسب مصادر في المجلس البلدي.

اجتماع تل حياة كان متنوعاً طائفياً ومذهبياً وحضره رؤساء 65 بلدية ومخاتير


اجتماع تل حياة الذي أطلق فيه ناشطون حملة «طمرتونا بفضلكم»، حمل أكثر من مغزى، نظراً إلى تنوعه الطائفي سنّياً وعلوياً ومسيحياً. فقد حضره 65 رئيس بلدية ومثلهم تقريباً من المخاتير، فضلاً عن فاعليات المنطقة. وبما أن هؤلاء يملكون حيثية شعبية في بلداتهم وقراهم، فإن أنظار مسؤولي التيار الأزرق في عكار وخارجها توجهت إليه بقلق، خصوصاً بعدما كانوا قد أصيبوا، يوم الأحد الماضي، بنكسة عندما بقي أكثر من نصف مقاعد قاعة المحاضرات بمعرض رشيد كرامي بطرابلس فارغاً، في الاحتفال الذي أقيم برعاية وزير العدل أشرف ريفي لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتفجيري مسجدي التقوى والسلام.
وما زاد القلق في عكار أكثر، أن الناشطين القائمين على الحملة نصفهم تقريباً كانوا كوادر في تيار المستقبل، قبل أن يبتعدوا عنه في الآونة الأخيرة، وأحدهم قريب للنائب خالد زهرمان. كما أن آخر من كوادر التيار اتصل به زملاء له محاولين ثنيه عن المشاركة في الحملة «حتى لا يزعل منك الشيخ أحمد (الحريري)»، حسب قولهم له، فردّ عليهم: «إذا بيت الحريري قدّموا لي شيئاً فليأتوا ويأخذوه!».
من يسمع الكلام المرتفع السقف في عكار منتقداً تيّار المستقبل وآل الحريري يُفاجأ كثيراً، لأن هذه المنطقة شكلت منذ 2005 الخزان الشعبي الكبير للتيار الأزرق في كل المحطات، ما جعل رد فعل ناسها العنيف يصيب تيار المستقبل بالصدمة، لأنه لم يكن يتوقع ذلك في أسوأ الظروف.
هذا التحوّل الذي لا يزال في بدايته، والذي لم يعمل أي طرف منافس لتيار المستقبل على اغتنامه، أعطى مؤشراً على وجود تململ كبير في عكار نتيجة عدم تيار المستقبل بوعوده للمنطقة، وباتت هناك جرأة كبيرة في توجيه الانتقادات للقيادات الزرقاء لم تكن موجودة سابقاً، إلى حدّ جعل البعض يصفها بأنها «بداية تمرد»، وأن «الشارع بدأ يفلت تدريجاً من قبضة تيار المستقبل، ما سيجعل استعادته لاحقاً صعبة ومكلفة للغاية».
من يراقب تصريحات نواب عكار السبعة، وهم جميعاً محسوبون على تيار المستقبل، وتحديداً النائب معين المرعبي أكثر من غيره، يلمس تقلب مواقفهم ويشعر بحجم الحرج الذي يعانونه أمام ناخبيهم، الذين يطالبونهم بتحقيق الوعود التي أعطيت لهم من قبل آل الحريري منذ عقد من الزمن على الأقل، وبقيت حبراً على ورق.
وما زاد الطين بلة، أن وعد إعطاء عكار مبلغ 100 مليون دولار على شكل مشاريع تنفذ فيها خلال 3 سنوات، مقابل القبول أن تكون مكبّاً لنفايات العاصمة وجوارها، قد تحوّل إلى خلاف بين النواب ورؤساء البلديات والمخاتير والفاعليات، بما يشبه قصّة الخلاف على اقتسام جلد الدبّ قبل اصطياده.
ففي هذا الإطار، يُروّج في عكّار أن هذا المبلغ جرى تقسيمه على أشخاص ومناطق فيها حصصاً بنحو استنسابي، وأن أكثر مناطق عكار حرماناً وإهمالاً، كالسهل ووادي خالد وأكروم، لن تنال سوى الفتات. ولعل ذلك يُفسّر تحضير هيئات الحراك المختلفة في عكار الرافضة لمشروع المكب، لإقامة اعتصامات ولقاءات شعبية فيها.