وكأنها "وكالة من غير بوّاب" على ما يقول المصريون. من دون أي احترام لرأي الدولة اللبنانية، أعلن ولي ولي العهد السعودي أن لبنان جزء من "تحالف إسلامي"، قررت السعودية إنشاءه، لـ"مواجهة الإرهاب". تحدّث ابن سلمان كقائد لهذا التحالف، والقرار اللبناني في جيبه. قرار كهذا يحتاج في لبنان إلى آلية دستورية وقانونية دونها مجلس وزراء ومجلس نواب، وتوقيع لرئيس الجمهورية. مؤسستان معطلتان وثالثة تنتظر من يشغلها، اختصرها الأمير السعودي بكلمة منه، لا تحتمل أي لبس. لم يضع لبنان في خانة الدول التي لم تبلغه قرارها النهائي بشأن المشاركة في التحالف، كإندونيسيا مثلاً، بل جزم بأن الجمهورية اللبنانية عضو في هذا الائتلاف.خبر إنشاء "التحالف الإسلامي" نُشِر ليلاً، كما هي عادة آل سعود في قراراتهم "الكبرى". ومنذ فجر أمس، بدأت الاتصالات السياسية في بيروت، مستفهمة عن الأمر. لم يخرج أحد من ممثلي القوى السياسية الكبرى ليرسم أمام آل سعود خطاً أحمر اسمه سيادة لبنان. لم يقل أحد إن ما جرى خرق للأعراف والتقاليد المتبعة في العلاقات بين "دولتين مستقلتين". لم يرَ أيّ فريق أن إعلان العائلة المالكة السعودية ضمّ لبنان إلى تحالفها فيه الكثير من الازدراء للمؤسسات اللبنانية وسبل اتخاذها للقرارات، وقلة احترام للتوازنات السياسية التي تحكم هذا البلد. على العكس من ذلك، وتماشياً مع ما أعلنه الرئيس فؤاد السنيورة في رسالته إلى الملك السعودي السابق عبدالله بن عبد العزيز في آب 2007، حين خاطب رأسَ العائلة الحاكمة في الرياض بالقول "نحن خطكم الدفاعي الأمامي..."، خرج الرئيس سعد الحريري ليثني على خطوة ابن سلمان. استبق أيّ هجوم عليها، قائلاً إن "من الطبيعي أن يأتي الإعلان من الرياض وأن يصدر على لسان سموّ ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان...". وككل ما يصدر عن حكام آل سعود، وصف الحريري الخطوة بالتاريخية.
رئيس الحكومة تمام سلام بدا كبالع الموسى. لا يجرؤ على مخالفة "رغبات" آل سعود، ولا هو قادر على قول ما يفجّر خلافاً سياسياً داخلياً مع المعترضين على ما تفوّه به الامير السعودي. أصدر بياناً هزيلاً، ليس فيه ما يشبه كلام رأس السلطة التنفيذية في دولة يقول حكامها إنها استقلت مرتين، وتحرّرت غير مرة أيضاً. امتدح الإعلان السعودي، قائلاً إن حكام الجزيرة العربية سبق أن "استمزجوا رأيه في شأن انضمام لبنان" إلى التحالف، وأنه أبدى ترحيبه. وبعدما أكثر من كيل المديح لخطاب الأمير السعودي، قال سلام إن أي خطوة تنفيذية من الجانب اللبناني "في إطار التحالف الاسلامي الجديد سيتم درسها والتعامل معها استناداً الى الأطر الدستورية والقانونية اللبنانية".
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس نفى لـ"الأخبار" أن «يكون لبنان قد حسم أمر مشاركته في التحالف»، مشيراً إلى أن «ما حصل مجرّد تواصل بين المملكة السعودية ورئيس الحكومة وضعت فيه القيادة الرئيس سلام في أجواء الفكرة، وهو أبدى ترحيبه، خصوصاً أنه لا يُمكن للبنان إلا أن يرحّب بكل جهد لمكافحة الإرهاب». ولفت درباس إلى أن «أمر المشاركة لا يمكن أن يحسم إلا بالعودة إلى مجلسي النواب والوزراء، وهو لن يحصل ما دام عمل المؤسسات معطّلاً». ورأى درباس أن «هذا الأمر لا شك سيخلق مشكلة بين الأطراف اللبنانية؛ ففي الظاهر الكل يدعم محاربة الإرهاب ولا اعتراض على المبدأ، ولكن المشكلة تكمن في التفاصيل». واستبعد درباس أن «يذهب سلام إلى الدعوة لعقد جلسة حكومية، لأن الدعوة ستفتح أبواباً مغلقة علينا، سيما أن هناك جدول أعمال يتضمن 800 بند معلقاً، ومنها ما هو مستعجل، إلا أن الخلاف حول بعض البنود يمنع انعقادها».
وفيما أشادت كتلة المستقبل أيضاً بما صدر عن الرياض، خرج "نائب رئيسها"، سمير الجسر، ليقول إن إعلان السعودية انضمام لبنان إلى التحالف ربما يكون "دعوة إلى الانضمام". واللافت في حديث الجسر إلى إذاعة "صوت لبنان"، أمس، تشديده على "أن لا أحد يقرر عن لبنان، وأن الحكومة لم تجتمع بعد لتأخذ القرار"، مؤكداً أن لبنان "ضد الارهاب، ولكننا نرفض القتال في الخارج".
8 آذار: هل داعم الإرهاب مالياً وفكرياً وعسكرياً قابل لمحاربته؟

بدوره قال نائب بارز في كتلة المستقبل لـ"الأخبار" إن «السعودية أبلغت رئيس الحكومة أن المملكة ليست ضد إيران في حال رغبت الأخيرة في المشاركة في التحالف الإسلامي»، معتبرة هذا الكلام «رسالة سعودية تريد المملكة تمريرها عبر لبنان من خلال من يعنيهم الأمر».
وفي فريق 14 آذار، غرّد حزب الكتائب خارج السرب، رافضاً المبادرة السعودية على لسان وزير العمل سجعان القزي الذي شدد على أن المشاركة في أي تحالف بحاجة إلى قرار من رئيس الجمهورية، "وغياب الرئيس يستعاض عنه بإجماع وزراء الحكومة، والحكومة لم تلتئم لهذا الشأن". وأكّد القزي أن لبنان "ليس دولة إسلامية ولا مسيحية لكي ينضم الى تحالف من هناك وهناك"، مشيراً الى "أننا دولة مدنية وفقاً للدستور، ونفتخر بأن ننضم الى تحالفات عربية ودولية، وليس من المناسب أن ننضم الى تحالفات ذات طابع ديني".
فريق 8 آذار ــ التيار الوطني الحر التزم الصمت أيضاً. رئيس التيار جبران باسيل أصدر بياناً بصفته وزيراً للخارجية، أكّد فيه أن الخارجية "لم تكن على علم، لا من قريب ولا من بعيد، بموضوع إنشاء تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، وأنه لم يرد إليها في أي سياق وأي مجال أية مراسلة أو مكالمة تشير إلى موضوع إنشاء هذا التحالف، وأنه لم يتم التشاور معها، لا خارجياً كما تفرضه الأصول، ولا داخلياً كما يفرضه الدستور". ورأى باسيل أن "ما حصل يمس بموقع لبنان، المميّز لجهة التوصيف المعطى لمحاربة الارهاب والتصنيف المعتمد للمنظمات الارهابية، كما يمس بصلاحيات الوزارة بصفتها موقعاً دستورياً قائماً في موضوع السياسة الخارجية".
بدورها، قالت مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار لـ"الأخبار" إن الإعلان السعودي "بلا قيمة عملية، لأنه يهدف حصراً إلى التغطية على المأزق السعودي في اليمن". ولفتت في المقابل إلى أنه يخالف الأعراف والأصول في التعامل بين الدول. وأكّدت المصادر أن إعلاناً كهذا يتناقض مع طبيعة النظام السعودي، وتعريفه للإرهاب، وخاصة بسبب العلاقة الوثيقة بين هذا النظام والتنظيمات الإرهابية، سواء تلك المصنفة رسمياً من الامم المتحدة، أو غير المصنفة، كبعض التي اجتمعت في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية قبل أيام. وسألت المصادر عمّا إذا كان النظام الذي يدعم الإرهاب، مالياً وعسكرياً وفكرياً، قابلاً لحمل لواء مكافحة الإرهاب؟
(الأخبار)