أجواء من الحذر والقلق والارتباك عاشتها طرابلس خلال اليومين الماضيين، بالتزامن مع حراك حملة «طلعت ريحتكن» في وسط بيروت، إذ بدت عاصمة الشمال قبل ذلك هادئة بانتظار من يحرّكها ويجعلها تتفاعل مع الحراك، رغم وصول أطنان من النفايات تسللاً إليها.فعندما أطلقت الحملة اعتصامها، سارع بعض شبّان المدينة إلى النزول إلى العاصمة للمشاركة، لكن كان لافتاً أن أغلب هذه المشاركة كانت فردية.

غير أن مشاهد التعرّض للمعتصمين يومها بشكل عنيف، سرعان ما «فرملت» نيات من كانوا يُعدّون أنفسهم للنزول إلى ساحة الاعتصام، إضافة إلى قيام الحواجز الأمنية، بتوقيف واعادة كل من يشتبه فيه متوجّهاً للعاصمة من أجل هذا الغرض. لكن ما شهدته بيروت من انفلات أمني كان مقدّراً له أن يحصل في طرابلس، لولا مسارعة من دعوا إلى قيام تحركات تضامنية إلى لجم الأوضاع.
ففي هذا الإطار كشفت الناشطة ناريمان الشمعة لـ «الأخبار» أن «الوقفة التضامنية التي دعونا لها مساء السبت في ساحة عبد الحميد كرامي، فوجئنا بمشاركة أشخاص غرباء فيهاً، وأن بعضهم اقترح علينا قطع الطريق وإشعال إطارات، وصولاً إلى اقتحام سرايا طرابلس، فرفضنا ذلك بشدّة».
ورأت الشمعة بعد الذي حصل مساء الأحد أن «خوفنا كان مبرّراً، لأن الذي خشينا وقوعه في طرابلس وقع للأسف في بيروت»، مؤكدة أنه «نحن في الأساس نرفض إدخال طرابلس في مواجهة مع القوى الأمنية لا نعرف إلى أين ستصل». هذا النقد الذاتي للحملة من داخل فاعليات المجتمع المدني في طرابلس، يتقاطع مع مواقف القوى السياسية في عاصمة الشمال. فالقيادي خلدون الشريف المقرب من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، يرى أنه «كان يفترض بالحراك أن يبقى متمسّكاً بشعار حملته الرئيسي، وهو النفايات، وليس رفع شعارات أخرى مثل إسقاط النظام، لأن النظام في لبنان القائم على فيديرالية الطوائف ليس ممكناً إسقاطه».
لكن الشريف الذي أبدى دعمه للحراك «الذي لا مصلحة لقوى 8 و14 آذار فيه لأنه يعارض أجنداتها، وأن هذه القوى عملت على تعطيل الحراك كل على طريقتها»، وجد أن «خرق الحراك كان سهلاً، لأنه لا يوجد هيئة منظمة وضابطة له»، قبل أن يعتبر أن دعوة النائب معين المرعبي للنزول إلى بيروت دفاعاً عن السرايا «فيها الكثير من الخفّة والاستعجال»، موجّهاً بذلك ما يشبه النقد المضمر إلى تيار المستقبل الذي كان أول من سنّ التهجّم على السرايا الحكومية أيام حكومة ميقاتي. بعض مواقف الشريف يتفق معها منسق تيار المستقبل في طرابلس مصطفى علوش، الذي رأى أن «الحراك تحوّل من اعتراض على مشكلة النفايات إلى شغب بالكامل». ولم يدافع علوش عن الحكومة التي رأى أنه «يفترض بها عندما تعجز عن إيجاد الحلول للمشاكل أن تستقيل، لكن المعضلة اليوم أنها إذا استقالت لا يمكننا تأليف حكومة جديدة، نظراً إلى عدم وجود رئيس للجمهورية».
ولفت علوش إلى أن «أجواء طرابلس كانت في بداية الحراك مؤيدة وداعمة له بهدف إيجاد حل لمشكلة النفايات، لكن بعدما تحوّل إلى أعمال شغب، ودخول شعارات مذهبية على الخط، باتت نظرة الطرابلسيين إلى الحراك سلبية».