على وقع استمرار الانتفاضة الفلسطينية التي باتت إسرائيل تتخوف من تحولها إلى عامل استنزاف حقيقي لها، عاد وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد تبلور رؤية إسرائيلية ـــ أميركية تقول إن العمليات الفلسطينية ليست حالة عابرة وطارئة، بل باتت جزءاً من البرنامج الأمني اليومي في إسرائيل. وبات الطرفان الإسرائيلي والأميركي يخشيان أن يؤدي استمرار العمليات إلى مفاعيل وتداعيات سياسية وأمنية تربك كل المسار السياسي والأمني الذي يحاول الأميركي ضبطه.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، يأمل الأميركيون أن يبادر الإسرائيليون إلى خطوات تعزز دور السلطة الفلسطينية، وكي يقدم الأخيرة كجهة قادرة على تحقيق إنجازات نوعية أمام الجمهور الفلسطيني. وفي المقابل، يبدو أن للجانب الإسرائيلي حساباته وتقديراته المختلفة، ومن ضمنها أنه لا يريد تقديم أي شيء قد يبدو كجوائز انتزعها الفلسطيني بفعل الضغط الأمني، فضلاً عن محاولته الالتفاف على المطالب الأميركية.
على هذه الخلفية، تأتي الشروط التي قدمها رئيس حكومة العدو، بينيامين نتنياهو، وربط فيها تقديمه أي مبادرة إلى خطوات تعني السلطة، بتراجع مستوى العنف في الميدان، ومحاولة فرض معادلة السماح للسلطة بالبناء في مناطق (ج) في الضفة التي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، مقابل اعتراف دولي بالبناء الاستيطاني في الكتل الكبرى.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول رفيع قوله إن نتنياهو أوضح لكيري أن «الشرط الأول لإحداث تغيير في الظروف الأمنية والاقتصادية هو عودة الهدوء إلى ما كان عليه». وكرر نتنياهو معزوفته بأنّ أساس المشكلة تكمن في «التحريض الديني الفلسطيني على شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ما يتعلق بالحرم القدسي»، مكرراً مقولته بأن السلطة تشارك في هذا التحريض.
وشدد أيضاً على أن أي خطوة إسرائيلية لن تشمل تجميد البناء في المستوطنات. وبلغ الحد به إلى محاولة فرض معادلة جديدة عبر ربط السماح للسلطة بالبناء في مناطق (ج)، باعتراف دولي يمنح إسرائيل الحق بالبناء في الكتل الاستيطانية.
ويحاول نتنياهو بهذا الشرط انتزاع اعتراف من إدارة باراك أوباما بالتفاهمات التي تبلورت بين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون خلال الأعوام 2004 -2005، على خلفية خطة الانفصال عن قطاع غزة. آنذاك تضمنت رسالة بوش التي وجهها إلى شارون اعترافاً أميركياً بأن الحدود الدائمة لإسرائيل ستأخذ بالحسبان التغييرات في الميدان ووجود تجمعات سكانية إسرائيلية، في إشارة إلى الكتل الكبرى في الضفة. وفي 2005، توصل مستشارو بوش وشارون إلى تفاهمات سرية حول موضوع المستوطنات، يتضمن موافقة أميركية على البناء الاستيطاني لحاجات «النمو الطبيعي»، باعتبار أن هذه المناطق ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية في أي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين. لكن الذي جرى أن أوباما بعد توليه الرئاسة طلب من إسرائيل تجميد كل البناء الاستيطاني، وهو ما شكل عملياً تنصلاً من تفاهمات بوش وشارون.
أما كيري، فعبّر عن إدانته، في بداية لقائه مع نتنياهو أمس، لما وصفه بـ«العمليات الإرهابية». ورأى «أنه لا ينبغي لأي شعب في أي مكان أن يحيا مع عنف يومي وهجمات في الشوارع»، متجاهلاً بذلك حقيقة أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال وفي ظل إجراءات قمعية ومجازر ارتكبتها إسرائيل بحقه. كذلك زار كيري مقر المقاطعة في رام الله والتقى كلاً من رئيس السلطة، محمود عباس، وكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات.
في سياق متصل، كشفت «هآرتس» عن أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تفحص إمكانية طرد أبناء عائلات منفذي العمليات من الضفة إلى غزة. وفق مصدر في أحد الأجهزة الأمنية، نوقشت هذه الخطوة في أعقاب استمرار العمليات ضد الإسرائيليين، ويتوقع أن تصل هذه الاقتراحات إلى المستشار القضائي للحكومة، يهودا فاينشتاين، ليدلي بوجهة نظره. ونقلت الصحيفة عن المصدر نفسه، قوله: «إن كانت هناك أم عرفت بأن ابنها ينوي القتل ولم تفعل شيئاً مع ذلك، أو أن العائلة عرفت بأن هذا قد يحدث، فستطرد إلى غزة»، مع الإشارة إلى أن أسلوب الإبعاد ليس جديداً على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
في سياق متصل، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس الأركان، اتفقوا أمس على سلسلة من الخطوات لمواجهة «الإرهاب»، من ضمنها تركيز الجهد على استهداف حركة «حماس» التي يقدرون أنها قد تبادر إلى تنفيذ عمليات قاسية وقاتلة. ونتيجة ذلك، تعتقل الأجهزة الأمنية العشرات من حماس، وتنفذ اعتقالات إدارية بحق الفلسطينيين الذين يصرحون على شبكات التواصل الاجتماعية عن نيتهم تنفيذ عمليات.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها، إن «كل الوسائل مطروحة على الطاولة، ويجري تنفيذ القسم الأكبر منها. وكل المقولات التي تدعو إلى عملية كبيرة، كالسور الواقي 2، تعني الكذب على الجمهور وتضليله». وقال وزير الأمن يعلون إنه اتخذت في الأيام الأخيرة خطوات عدة، من بينها التوجيهات إلى الجيش بفحص كل سيارة فلسطينية تسافر على شارع رئيسي. كذلك اقترح وزير الطاقة والمياه، يوفال شتاينتس، إيقاف شبكة الإنترنت في أراضي السلطة لمدة أسبوعين، لوقف موجة التحريض في الضفة، واقترح شطاينتس وقف بث الراديو والتلفزيون التابعين للسلطة.
في سياق متصل، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أن ثلاثة مستوطنين جرحوا أمس، جنوب نابلس بعدما صدمهم فلسطيني، تم «تحييده» بسيارته. وقالت خدمة الإسعاف الإسرائيلية إنها عالجت في المكان ثلاثة إسرائيليين في العشرين من العمر أصيبوا بجروح طفيفة.