أفرغت تطوّرات الساحة المصرية المتسارعة زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لواشنطن من مضمونها الجوهري، أي مطالبة الإدارة الأميركية بتخفيف الضغط عن الرئيس المصري حسني مبارك، والسعي إلى الحفاظ على استمراره في سدة الحكم في انتظار انتقال «آمن ومنتظم» للسلطة، بما يضمن المصالح الإسرائيلية، ولا سيما الحفاظ على اتفاقية السلام المصرية ـــــ الإسرائيلية. وكان باراك، الذي وصل إلى واشنطن على عجل، قد بحث مع مسؤولين أميركيين مخاوف إسرائيل من إمكانية حدوث تغيير دراماتيكي في البناء السياسي في مصر، واجتمع في اليومين الماضيين مع وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين روبرت غيتس وهيلاري كلينتون ومع مستشار أوباما للأمن القومي توم دونيلون ومسؤول ملف إيران في مجلس الأمن القومي دينيس روس، وعدد من أعضاء الكونغرس من بينهم رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي إلينا ـــــ روس ليتينين والعضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ جون ماكين.
ودعا باراك إدارة أوباما إلى عدم المطالبة بضرورة تسريع تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه، وفي الوقت ذاته مطالبة الحكومة المصرية بضرورة التزام اتفاقية الصلح المصرية ـــــ الإسرائيلية الموقعة في آذار 1979.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر إسرائيلية وغربية رفيعة المستوى لصحيفة «معاريف» أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يلحّ على الولايات المتحدة الأميركية في إيجاد الصيغة المناسبة لنقل السلطة بسرعة داخل النظام المصرى، تحسباً من أن يأتي نظام آخر يمكن أن يكون إسلامياً، يكرّر تجربة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
وأوضحت «معاريف» أن هذا ليس السيناريو الوحيد المرجّح، على حد قول المصادر، حيث يمكن أن تأتي إلى الحكم إحدى الشخصيات المستقلة، التي تحظى بقبول شعبي واسع ولها صلات قديمة داخل المؤسسة العسكرية، ما يعني أن مصر يمكن أن تتحول إلى تركيا أخرى، وهذا ما يزيد التخوف والترقب داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية.
بدوره، قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن الأحداث الأخيرة في المنطقة، وخصوصاً في تونس ومصر، «تثبت للغرب أن ثمة حليفاً واحداً له في الشرق الأوسط يمكنه الاعتماد عليه هو إسرائيل».
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ليبرمان قوله، خلال لقائه الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي أندرس فوغ رسموسن في القدس المحتلة أول من أمس، إن ما حصل في تونس ومصر «يوجب إعمال تفكير من خارج العلبة (غير تقليدي) ووضع منظور أمني أكثر حداثة مما كان حتى الآن».
وفي سياق تعليق المسؤولين الإسرائيليين على تطور الأوضاع في مصر، قال مصدر سياسي إسرائيلي خلال لقاء مع صحافيين، إن هناك تغييراً في مصر، وهذه الدولة لن تبقى كما كانت، لكنه توقع ألّا يتضرر السلام بين إسرائيل ومصر لأن هناك مصلحة مصرية باستمراره.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المصدر قوله إن إسرائيل تعمدت الصمت وعدم إطلاق تصريحات مباشرة بشأن التظاهرات المصرية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك «والأمر الأخير الذي نتمناه هو أن يربطونا بهذه المسألة، رغم أنه كانت هناك محاولات كهذه من جانب وسائل إعلام مصرية والجزيرة. وهذا لم ينجح». وأضاف المصدر «خلافاً لدول أخرى، فإن إسرائيل أغلقت فمها»، مضيفاً أن التصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون كانت معتدلة ولم توجه إلى آذان مصرية.
ورأى المصدر الإسرائيلي أن «العنف في مصر هو مشكلة لكنه ليس موجهاً نحونا، وقد أخلينا العائلات والمبعوثين من هناك لحمايتهم»، وخصوصاً في أعقاب أعمال نهب بيوت وحوانيت بالقرب من مكان سكن عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة. وقال المصدر «إننا ندرك أن ثمة تغييراً في مصر، وما كان لن يبقى على حاله وثمة احتمالان، الأول هو تغيير النظام بنحو بطيء وآمن ومستقر، والثاني هو حدوث تغيير متطرف وربما باتجاه الإسلام». وأضاف «لا يبدو الآن أن التغيير في مصر سيكون مطلقاً ومتطرفاً، لأن هذا سيؤدي إلى حال فوضى لا تحتمل». وشدد على أن اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر لن يتضرر «لأن الحديث يدور حول مصلحة مصرية».
وقدّر المصدر أن «هناك مفاجأة كبرى وذهولاً لدى الزعماء العرب من سلوك واشنطن، ومما يحدث في مصر، والزعماء العرب الذين يتمعنون بالأوضاع يفكرون الآن ببقائهم لأن مصر هي دولة مركزية جداً».
إلى ذلك، ذكر موقع «Energynews» الإسرائيلي المتخصص بأخبار الطاقة أن القيادة الإسرائيلية المسؤولة عن شؤون الطاقة توصلت إلى استنتاج مفاده أن مصر سوف توقف بنحو شبه مؤكد ضخ الغاز إلى إسرائيل. وأوضح أن إحدى الخلاصات التي توصل إليها المسؤولون عن أمن الطاقة في إسرائيل خلال مناقشات طويلة أجروها منذ اندلاع الثورة المصرية، تقضي بالعمل سريعاً على تأمين بديل من الغاز المصري. وبحسب الموقع، فقد اتخذت جملة إجراءات استثنائية خلال الأيام الماضية، من بينها المصادقة على إقامة محطة لاستيعاب الغاز السائل على ساحل الخضيرة، والعمل على الاستقدام الفوري لسفينة مجهزة لتحويل الغاز السائل إلى غاز طبيعي وبالعكس، وكذلك تشييد بنية تحتية لنقل الغاز من المحطة على الساحل إلى شبكة التوزيع الداخلية.