«أنا محظوظ كوني إسرائيليا، فهذه الدولة تفعل كل شيء من أجل مواطنيها»، هكذا خاطب عودة ترابين (35 عاماً) الإسرائيليين خلال لقائه رئيس وزرائهم، بنيامين نتنياهو، بعدما خرج من السجن المصري ــ «القبر». لكن ترابين، الذي خدم «دولته»، غفل عن كونه عربياً فلسطينياً من أصول بدوية، وأن «المواطنة» التي تغنى بها تأتي في الدرجة العاشرة وفق معايير العنصرية الإسرائيلية. ويبدو أنه أدرك ذلك حينما تلقى، يوم أمس، أمراً بهدم «منزله» لكونه غير مرخص. تحرّر ترابين من سجنه، وعاد إلى فلسطين المحتلة قبل نحو ستة شهور. بنى «بركساً» (بيتا حديديا) بجوار منزل أبيه (الجاسوس أيضاً)، في قريته ترابين البدوية، التي لا تعترف إسرائيل بها، كحال 50 قرية أخرى في صحراء النقب.
وهو في الأصل ولد في مدينة العريش، شمالي سيناء المصرية، وأبوه سبقه إلى «المهنة» وحكمت عليه السلطات المصرية بالسجن 25 عاماً غيابياً، بتهمة «نقل معلومات إلى العدو (إسرائيل) خلال حرب أكتوبر». استطاع الأب سليمان الهرب إلى إسرائيل، ومعه ابنه عودة بعمر تسع سنوات فقط، فيما تزوجت ابنته في العريش، وبقيت هناك.
عام 1999، زار عودة أخته في العريش، وفي طريق عودته إلى صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، قبضت السلطات المصرية عليه، وسجنته بتهمة التجسس لإسرائيل. مع ذلك، لم يشفع له قضاء 15 عاماً داخل «قبر»، كما يُطلق على المدة التي قضاها في سجن «طرّة»، أمام قرار هدم المكان الذي يعيش فيه؛ هو في نهاية الأمر «مواطن» فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية وليس يهودياً كحال من يتمتعون بالمواطنة الحقيقية.
صحيفة «يديعوت احرونوت» نقلت عن وزراة المالية الإسرائيلية المسؤولة عن الهدم، قولها إن «القانون في إسرائيل يطبق بتساوٍ، ولا يميز بين مواطن وآخر لأي سبب كان»، مؤكدةً أن «أمر الهدم يصدر ضد أي مبنى مخالف لقوانين البناء». لكن مراقبة إحصائية سريعة ستساعد على الجزم بأن عمليات الهدم في المناطق المحتلة عام 1948 لا تستهدف إلا بيوت الفلسطينيين، ولا تصادر إلا أراضيهم.
أمّا موقع واللا العبري، فنقل عن ترابين قوله، إنه «يجب أن يخجلوا مما فعلوا. هكذا يتعاملون معي؟ أنا غاضب، لا أملك بيتاً أنام به، والآن أقضي وقتي لدى أهلي. ألا يخجلون من هدم منزلي؟». وأوضح أنه قبل أسبوعين تلقى أمر الهدم للمنزل الذي باشر إعماره بعدما أُفرج عنه من السجن المصري، موضحاً أن مساحته «تقدر بـ 100 متر»، مضيفا: «السلطات المصرية لم تنجح بكسري، والسلطات الإسرائيليّة لن تنجح في ذلك».
أثيرت قضية ترابين بسبب خصوصيته كجاسوس إسرائيلي، لكن أكثر من مئة ألف فلسطيني غيره، يعيشون داخل 50 ألف قرية في النقب مهددون بالاقتلاع والتهجير، في مقدمتها قرية العراقيب التي هدمها الاحتلال للمرة الـ96 على التوالي قبل نحو أسبوع، بالإضافة إلى قرية عتير ــ أم الحيران التي يعيش فيها ألف فلسطيني تهددهم إسرائيل بهدم بيوتهم في أيّ لحظة وتهجيرهم إلى الشوارع.
أيضاً، في الجليل هناك 50 ألف فلسطيني يعيشون داخل عكا «العتيقة»، محتفظين بثقافتهم ومعالم مدينتهم، وهؤلاء مهددون بسلب منازلهم، والحشر داخل أرض الطنطور (إلى الشمال من مدينة عكا)، علماً أنها تتسع في أبعد تقدير لحوالى الألف شخص!
بالعودة إلى القانون «الذي يطبق على الجميع»، نكتشف أن عائلة «زلتسر» اليهودية المكونة من 5 أشخاص (أثيرت قضيتها في الإعلام الإسرائيلي مؤخراً)، لاقت حكماً من القضاء الإسرائيلي بوقف قرار هدم منزلها لكونها «قضية إنسانية». في المقابل، حُكم على مئات آلاف الفلسطينيين بهدم بيوتهم واقتلاعهم منها، تحت حكم القضاء نفسه، الذي أطلق على قضيتهم اسم «قضية ليست خاصة ولا نادرة».
عموماً، أثبتت تجربة العملاء الذين تجسسوا لإسرائيل، أن الأخيرة لا تثق بمن خان شعبه، فهناك في أحد الشوارع المهمشة في العاصمة الاقتصادية تل أبيب، لن تستوقف العابر الروائح المنتشرة في محيط مطعمٍ يقدم طبقي الفلافل والشاورما، فهو متواضع جداً، على خلاف مزاج الطبقة الإسرائيلية الغنية. لكن إذا عرفت أن البائع لبناني قضى في خدمة إسرائيل أكثر من 25 عاماً فإنك ستتوقف حتماً، لا لتشتري رغيفاً مغطساً بالطحينة، بل لاستطلاع مصير صاحبه... البائع الراحل أنطوان لحد!




عميل آخر: كان يجب التساهل مع ترابين ومراعاة ظروفه

قال العميل عزّام عزّام (الصورة) ، الذي قبع في السجون المصريّة منذ عام 1996 حتى خروجه في صفقة سياسية عام 2004، إنه اتصل بترابين وأبدى له دعمه في القضية التي يمر بها. وأضاف في حديث إلى موقع محلي، «نظرا إلى الظروف الصعبة التي مر بها ترابين كان يجب على السلطات أن تتساهل معه حتّى لو أنّ البناء غير قانوني، فالحديث هنا يدور عن شخص دخل السجن المصري وهو شاب صغير وخرج منه بعد 15 سنة، والسبب هو اتهامه بالتجسس للدولة».
وتابع عزّام: «ترابين لم يبن فيلا على شاطئ البحر بل بنى ما يشبه الكوخ من الصفائح المعدنيّة ليستطيع الزواج والعيش بكرامة، ومن هذا المنطلق كان يجب على السلطات التعامل معه بأساليب أخرى لا اصدار أمر هدم».