في خضم المواجهة التي شهدتها العاصمة الكينية نيروبي بين قوات الأمن وعناصر إسرائيليين ضد عناصر في حركة الشباب الصومالية احتجزوا رهائن في مبنى تجاري أول من أمس، لا بد من تذكّر عبارات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للرئيس الكيني السابق رايلا أودينيغا (زعيم المعارضة حالياً) في شهر تشرين الثاني 2011، والتي تختصر العلاقة المتميزة بين الجانبين، حيث يصفها الاعلام العبري بأنها الأكثر حميمية بين الدولة العبرية وأي دولة أفريقية أخرى.
لقد قال نتنياهو قبل سنتين ما أكده حجم التعاون بين جهازي أمن الدولتين خلال اليومين الماضيين، من أن «أعداء كينيا هم أعداء إسرائيل، وهذا ما يدفعنا إلى تقديم المساعدة»، بينما تشير صحيفة «معاريف» الى أن العلاقة قائمة على المصلحة المشتركة في مواجهة التهديدات، وعلى رأسها «مواجهة الاسلام والمساعي الايرانية في أفريقيا».
فالعلاقات بين إسرائيل وكينيا تعود الى ما قبل استقلال الدولة الافريقية في عام 1963، حسبما يشير أحد الكتيبات الصادرة عن السفارة الإسرائيلية في نيروبي، تحت عنوان «العلاقات الثنائية ــ إسرائيل وكينيا»، إذ عمل خبراء إسرائيليون الى جانب القيادة الكينية التي سعت في حينه الى الاستقلال عن البريطانيين، وقدموا لهم كل مساعدة ممكنة لإيجاد الظرف الملائم لإنشاء وتعزيز المؤسسات والهيئات القادرة فعلاً على إنشاء دولة، وذلك في كل المجالات.
نتيجة لذلك، أقامت إسرائيل في الستينيات قطاراً جوياً بين نيروبي وتل أبيب لنقل الكوادر الكينيين الى إسرائيل، من أجل تلقي الخبرات والمهارات تحت إشراف مباشر من قسم التعاون الدولي في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وكان المتدربون الكينيون يعودون الى بلادهم محملين «بالخبرة» الإسرائيلية، مع كل ما يعنيه ذلك من «ترجمة لأواصر الصداقة، التي سمحت للبلدين بتجاوز كل الصعوبات التي نشأت لاحقاً، وتحديداً المقاطعة الأفريقية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأفريقية وإسرائيل عام 1973».
وتسمي تل أبيب فترة الستينيات فترة «المجد الإسرائيلي» في أفريقيا، وتحديداً في كينيا، حيث توغل «الخبراء الإسرائيليون» في كل المجالات، بدءاً من قطاع الزراعة، مروراً بالبنية التحتية على اختلاف أنواعها، وصولاً الى العلاقات المتميزة عسكرياً وأمنياً.
بعد حرب عام 1973، قطعت كينيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، على غرار دول أفريقية أخرى، إلا أنها، رغم ذلك، أبقت أبوابها مشرّعة أمام الإسرائيليين، واستمرت في المحافظة على علاقاتها كما هي، الى عام 1988، حين أعادت نيروبي العلاقات الدبلوماسية كاملة، وما كان بعيداً عن الاضواء، عاد ليبرز من جديد، وبنحو أكثر فاعلية وحضوراً من فترة الستينيات من القرن الماضي.
الإعلام العبري يشير إلى أن كينيا أدّت دوراً فاعلا ومؤثراً في عملية عنتيبي في أوغندا، عام 1976، حيث قام الكوماندوس الإسرائيلي بتحرير الرهائن الإسرائيليين من على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت مجموعة فلسطينية قد خطفتها الى مطار عنتيبي قرب العاصمة الاوغندية كمبالا.
وبحسب كتيّب العلاقات الصادر عن السفارة الإسرائيلية، ما كانت إسرائيل لتنجح في تنفيذ عملية الإنقاذ، حيث المكان بعيد جداً عن إسرائيل، لولا المساعدة الكينية التي سمحت للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في كينيا والتزود بالوقود، قبل التوجه لتنفيذ العملية في أوغندا، في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى المجاورة لتتردد في تقديم المساعدة المطلوبة.
في عام 2011، كشفت صحيفة «معاريف» عن مسعى لدى نتنياهو لإقامة «حلف جديد مع عدد من دول القرن الافريقي»، وعلى رأس هذه الدول كانت كينيا التي تربطها بإسرائيل علاقات مميزة وخاصة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى تأكيده أن «التغييرات في شمال أفريقيا تؤثر على الدول الأفريقية التي تخشى الإسلام المتطرف، وهذا ما يثير قلقها كدول مسيحية في شرق أفريقيا، وأيضاً قلق إسرائيل على السواء. وبالتالي توجد قواسم مشتركة في الحلف الجديد».
ترجمة التوجه الإسرائيلي ميدانياً كانت سريعة، بل ساهمت بنحو كبير في فاعلية التدخل العسكري الكيني في الصومال، التي خاضت حرباً ضد الاسلاميين المتطرفين هناك، وكالة عن الغرب وإسرائيل.
في هذا الصدد، أشار الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، خلال لقائه أودينيغا في عام 2011، الى أنه «يمكن إسرائيل أن تساعد كينيا في بناء منظومات مطاردة للمسلحين والمساعدة في توجيه ضربة استباقية لهم».
وينقل الإعلام العبري عن مصادر مطلعة على «الأحلاف الإسرائيلية الجديدة في القرن الافريقي» أن المساعدة العسكرية لكينيا تجعل من إسرائيل لاعباً مركزياً في الحرب التي تدور بعيداً عنها في شرق أفريقيا، بين الجيش الكيني والميليشيات الإسلامية في الصومال.
وبحسب «معاريف»، فإن «إسرائيل اختارت أن تلتزم الصمت حيال المساعدة العسكرية، لكن أودينيغا والوفد المرافق له قالوا فور عودتهم الى بلادهم إن إسرائيل استجابت لطلباتهم وستسلح وتدرب الجيش الكيني، بل ستضع تحت تصرفهم كل ما ينبغي لحماية حدودهم وفرض النظام في الصومال».
وعلى ضوء الهجوم المسلح في نيروبي والحديث عن تدخل إسرائيلي عسكري فيه، كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى في العاصمة الكينية محطة لفهم ما يجري في أفريقيا، ومحطة لمواجهة «التهديدات الإرهابية» ضد الأهداف الإسرائيلية في القارة السمراء. ومن أجل ذلك، فإن «كينيا تتلقى الكثير من الأسلحة الإسرائيلية، إضافة الى الخبرة الأمنية». وكشفت الصحيفة أن المئات من الجنود الكينيين تلقوا في السنوات الأخيرة تدريبات في إسرائيل أو تم تدريبهم في كينيا من قبل مدربين إسرائيليين.
وقالت الصحيفة إن التقارير التي تحدثت عن وصول مستشارين إسرائيليين الى نيروبي لمساعدة القوات الأمنية المحلية في معالجة أزمة الرهائن تتقاطع بنحو كبير جداً مع الودّ في العلاقات الأمنية والاستخبارية بين الدولتين، و«بعد الهجمة الارهابية هذه، يتوقع أن تتعزز العلاقات وتتوثق أكثر من ذي قبل».