مع تراجع مخاطر الحرب التقليدية، وتغير خارطة وطبيعة التهديدات في الشرق الاوسط، وتحت ضغط العامل الاقتصادي الذي انعكس تقليصا في الموازنة الامنية، يتجه جيش الاحتلال الاسرائيلي نحو تغييرات بنيوية غير مسبوقة تنبع من الحاجة الى عمليات استخبارية وعسكرية جراحية، مع استخدام سريع للقوات البرية بهدف حسم المعارك في اقصر وقت ممكن.
ومن اجل ملاءمة الجيش مع المتغيرات والقيود التي تفرض نفسها على صانع القرار السياسي والامني، يتأهب جيش الاحتلال لتنفيذ خطة خمسية تؤدي الى احداث اصلاحات جوهرية في هيكليته، كما اكد وزير الدفاع موشيه يعلون، الذي رأى ايضا أن الخطة الجديدة تأخذ بعين الاعتبار التطورات في الشرق الاوسط، مع ما ينطوي عليه ذلك من تحديات. واوضح وزير الدفاع ان «الجيش سيكرس قدرا كبيرا من موارده بهدف الحفاظ على تفوقه التكنولوجي في مقابل الدول والمنظمات المعادية التي تحيط بنا»، مشدداً على أن «المعارك والحروب المستقبلية ستحسم بالتكنولوجيا العالية وبالوسائل القتالية الالية الاكثر ذكاء».
واقر يعلون ايضا بأن «التقليصات في الموازنة الامنية تجبر الجيش على تقليص حجم التدريبات والنشاطات التي تقوم بها قوات الاحتياط»، لكنه تابع مؤكدا «على أن ذلك لن يمس بتعاظم الجيش على المدى البعيد، الذي ينبغي الحفاظ على تفوقه النوعي».
ويمكن القول في ضوء ما نشر من معطيات حول التغييرات الجوهرية المقررة، ان الجيش الاسرائيلي في الطريق
الى إحداث أحد اكبر التغييرات البنيوية في تاريخه، يرتكز الى عدد اقل من الدبابات والطائرات والمدافع والسفن والجنود النظاميين، لكن مع اعتماد اكبر على الاستخبارات والقتال السايبري. ونتيجة لذلك «سيصبح الجيش المنظمة الاصغر حجما لكن الاكثر ذكاء، وعلى هذه القاعدة سيجري اغلاق اسراب طائرات في سلاح الجو، ووحدات نظامية من سلاح المدفعية، وتقليص نشاطات وحدات الاحتياط من سلاح المدرعات، ومن المحتمل ايضا ان يجري تقليص منظومة الدبابات النظامية، كما ستُخرَج قطع بحرية قديمة من الخدمة، فضلا عن تسريح نحو 3000 الى 5000 جندي نظامي من الخدمة».
وبفعل تغيير «المفهوم العملياتي في الجيش الذي بات واجبا بفعل تغير طبيعة التهديدات، سيجري تعزيز سلاح
الاستخبارات» التي ستحتل رأس سلم الاولويات في الخطة المتعددة السنوات. كما سيجري ايضا تعزيز قدرات سلاح البحرية في كل ما يتعلق بالدفاع عن المياه الاقتصادية (منشآت الغاز)، وتعزيز عناصر معينة في منظومات الدفاع الجوي والمناورة البرية. الى جانب تعزيز القتال السايبري، الذي ارتفعت اهميته في سلم اهتمامات الجيش الإسرائيلي في السنوات الاخيرة. وبفعل هذه التغيرات، سيوفر الجيش ما يقرب من حوالى سبعة مليارات شيكل موزعة على عدة سنوات.
ازاء هذه الثورة المهنية والبنيوية في الجيش الاسرائيلي، حاول بعض الضباط القاء بعض من المسؤولية على الحكومة، التي «أجبرت الجيش على هذا القدر من التغييرات بفعل الموازنة الاخيرة، كي يلائم نفسه مع المتغيرات التي طرأت على التهديدات المحدقة باسرائيل». وفي هذا المجال، يلاحظ ان «الجيش منذ تأسيسه أُعدَّ لحروب كبرى تستند الى فرضية محاولة عدة جيوش عربية او احدها، غزو اسرائيل، غير ان التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في السنوات الاخيرة في المنطقة، ادت الى تغيير في تقدير الاخطار». وتراجع احتمال نشوب حرب شاملة كلاسيكية، وبات مطلوباً من الجيش ملاءمة نفسه لمواجهة انجع مع معارك محدودة، مثل الانتفاضة، او حرب لبنان الثانية، وضمن هذا الاطار يستعد الجيش لمواجهة أحد اهم السيناريوهات، مثل اطلاق كثيف للصواريخ نحو الجبهة الداخلية، اضافة الى امكانية تعزز الارهاب على الحدود.
الى ذلك، احتل الاعلان عن هذه التغييرات في الجيش، اهتمام المعلقين العسكريين في اسرائيل، الذين تناولوا ظروفها ومضمونها واهدافها، ومنهم المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت»، اليكس فيشمان، الذي راى ان «غانتس يقدم جيشا سيكون له مفهوم استخدام مختلف تماما عن ذاك الذي عرفناه حتى الان»، مشيراً إلى ان «هذا المفهوم لم ينطلق من ضرورة تفرضها الموازنة الجديدة، بل هو يذكرنا بالعقيدة التي استخدمها الاميركيون في حرب الخليج الثانية تحت عنوان «الصدمة والرعب»، مع اجراء تعديلات تتصل بساحتنا، وهو استخدام قوة قصوى من اللحظة الاولى بهدف ابادة الاهداف من الجو والبحر والبر عبر الاسلحة الدقيقة، على ان تتبعها مناورة برية سريعة وبقوة قصوى لتحقيق الحسم في فترة زمنية قصيرة». ولفت فيشمان الى ان «غانتس اصدر التعليمات، بان البعد الزمني حرج، وبالتالي يجب تقصير مدة المعركة لأن الجبهة الداخلية تدفع ثمنا باهظا بفعل القوة الصاروخية للاعداء».