كما هي الحال مع كل تطور اقليمي بارز، تنكب الأجهزة المختصة ووسائل الاعلام الاسرائيلية على قراءة أبعاد هذا الحدث، ومفاعيله الايجابية والسلبية على الأمن الاسرائيلي في المديين القصير والطويل. ورغم أن الحدث المصري لا يزال في بداياته، غير أن الملاحظ هو امتناع المسؤولين الرسميين في تل أبيب، حتى الآن، عن التعليق بشكل لافت على ما يجري، في خطوة تعكس توجهاً مدروساً. مع ذلك، احتلت التطورات التي تشهدها الساحة المصرية صدارة الصحافة الاسرائيلية.
ولجهة مآل التطورات وما يمكن أن ينتج منها، نقل المعلق الأمني في صحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، أن الثورة وفق تقدير الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، «في ذروتها منذ الآن»، وأن احتمال بقاء الرئيس المصري محمد مرسي لفترة طويلة في الحكم، بات بعد الانذار الذي وجهه الجيش، «متدنياً جداً».
يضيف أنه من الصعب جداً استيعاب وفهم الأحداث التاريخية الكبرى في الزمن الحقيقي، كما يحصل الآن في مصر، غير أنه بات ممكناً القول منذ الآن بأن اسقاط مرسي هو مجرد حلقة واحدة أخرى في سلسلة أحداث تقع في الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة، وأن المنطقة ستبقى، بحسب تقدير الأجهزة الامنية، غير مستقرة جداً من خمس الى عشر سنوات على الأقل، في أفضل الاحوال.
ورأى ربابورت أن فشل التجربة السلطوية للإخوان المسلمين في مصر، ينطوي على أبعاد متداخلة ومتباينة؛ فهي من ناحية جيدة لاسرائيل على المدى البعيد، لأنهم بنظره يتبنون خطاً اسلامياً إيديولوجياً يرفض المساومة مع اسرائيل.
ونتيجة ذلك يتخوف ربابورت من أن يكون مستقبل السلام مع اسرائيل في خطر. من جهة ثانية، يرى ربابورت أن الاستقرار النسبي الذي ساد في مصر في السنة الأخيرة يمكن أن يكون أمراً مفضلاً على الفوضى، التي ستنتج عن سقوط الاخوان المسلمين في الحكم.
وأقرّ في الوقت نفسه أن الإخوان المسلمين أظهروا براغماتية فوق كل التوقعات، في مواجهة اسرائيل، اذ سمحوا باستمرار الحوار الأمني مع اسرائيل كما أنهم أداروا في الأشهر الأخيرة، حرباً الى جانبها ضد تهريب السلاح من سيناء باتجاه قطاع غزة، ونتيجة ذلك تجد حركة «حماس» منذ عملية «عمود السحاب» صعوبة في تجديد مخزون صواريخ الفجر لديها، والى حد كبير بفضل هذه الحرب التي يشنّها الإخوان المسلمون.
في موازاة ذلك، رأى ربابورت أن الإخوان المسلمين فرضوا على «حماس» احترام وقف النار، الذي تم التوصل اليه بعد عملية «عمود السحاب»، رغم أن ثمنه المواجهة مع منظمات أخرى، هذا الى جانب أنهم يخوضون حرباً ضدّ مقاتلي الجهاد العالمي في كل أرجاء سيناء، فضلاً عن أنهم يقفون الى جانب المحور الذي يواجه محور ايران ــ سوريا وحزب الله.
في المقابل، رأى المعلق الأمني في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن «حجب الشارع المصري ثقته عن نظام الاخوان المسلمين لا يبشر بالخير حتى لاسرائيل والجيران الآخرين لبلاد النيل، وهو ما ينبغي أن يُقلق اسرائيل لأن مصر في الطريق للتحول الى دولة فاشلة»، مشيراً الى أن «التوصل الى صيغة سياسية تعيد المتظاهرين الى بيوتهم لن يغير شيئاً ولن يحل المشاكل الأساسية».
ورأى أنه بات واضحاً أن «مصر وقعت في معضلة لا يبدو لها حالياً مخرج»، مضيفاً أنه «في حال لم يحصل تحول مفاجئ في الوضع الاقتصادي المصري، ستتحول مصر الى دولة فاشلة كما هي حال أفغانستان والصومال»، ولافتاً الى أن «التجربة التي تراكمت في منطقتنا والعالم تؤكد دون استثناء أن المسألة تتعلق بكابوس عنف ليس فقط تجاه سكان الدولة وانما أيضاً ضدّ جيرانها».
وبالنسبة للوضع الأمني، اعتبر بن يشاي أن «الفوضى تُبعد امكانية أن يخرج الجيش المصري لحرب ضد اسرائيل، بل على العكس فإن هذا الواقع يعزز الحافزية لدى قيادة الجيش للحفاظ على اتفاقيات السلام مع اسرائيل».
لكن رغم ذلك أبدى بن يشاي تخوفه من «حقيقة أن يملي الشارع المصري على السلطة توجهاته والذي قد يتحول يوماً ما ضد اسرائيل».
في السياق نفسه، رأى بوعز بسموت، في صحيفة «اسرائيل اليوم»، أن «الجيش المصري يتصرف اليوم كما لو أنه جيش الشعب، لكن من جهة أخرى، يوجد في مصر نصف مليون جندي، و17 مليون مواطن غاضب يتظاهرون في الشوارع، بحيث لا يبقى للجيش خيار سوى أن يلائم نفسه مع الواقع».
وأضاف أن «العلمانيين في مصر عادوا مع صور جمال عبد الناصر، الى ميدان التحرير للاعتراض على صندوق الاقتراع ولتقسيم أوراق اللعبة من جديد»، وكما يبدو فإن «العلمانيين في طريقهم الى تنحية الاخوان المسلمين عن الحكم».
وأكد أن «التحالف بين العلمانيين والجيش أكثر طبيعية من التحالف السابق مع الاخوان المسلمين، وربما ينتج من ذلك شيء لصالح مصر وربما لنا في اسرائيل».
لكن بسموت لفت الى أنه من المنطقي الافتراض بأن المتطرفين المتدينين لم يقولوا الكلمة الأخيرة حتى الآن، خاصة أن الثورة قوَّت السلفيين في الدولة.