صحيح أن العمر لا يتسع لكثير من الهموم، ولكن يبدو أنه يتسع لكل شيء لدى العرب، عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني...
لو أن متابعاً لا يعرف قصتنا مع الحدود والإقامات في الدول العربية كافة، لقرأ مبالغات فلسطينية وكثيراً من الكذب، واجتراراً للمأساة.
لكن كل ما نكتبه عن معاناتنا مع الحدود والإقامات حقيقة، وهذه قطوف من قصتي، لتضاف إلى أرشيف الألم الفلسطيني...
لي أخت وحيدة، غادرت دمشق إلى الجزائر، منذ نحو سنتين ونصف سنة تقريباً، لتكون مع زوجها الذي استعاد جنسيته الجزائرية بعد أن كان فلسطينياً، مثله مثل مئات الجزائريين الذين عاشوا معنا في مخيم اليرموك، كلاجئين فلسطينيين، بعد تهجيرهم من فلسطين سنة 1948، وقد قدم أجدادهم قديماً إلى فلسطين مع الشيخ عبد القادر الجزائري.
أختي، لكونها فلسطينية، لم تحصل على إقامة في الجزائر تمكّنها من الخروج والعودة، مثلها مثل أي فتاة ليست فلسطينية متزوجة من جزائري. وعلى ذلك فلا يحق لها تقديم دعوة لأهلها لزيارتها. وأهلها، أمي وأبي وأنا، لا يمنحنا بلد المليون شهيد "فيزا" لزيارتها بضعة أيام. من المؤكد أننا لن نحاول شق السلم الأهلي، بين الجزائريين، ولن نحاول الانقلاب على الحكم، ولن نفعل أي شيء سوى زيارة أختي.
أما زوج أختي الجزائري، لأننا نحن فلسطينيون، فلا يمكنه دعوتنا. وبالتالي، فالفرصة الوحيدة من مواطن جزائري، تذهب أدراج الرياح.
لا أعرف متى يمكنني رؤية أختي، وكذلك أبي وأمي؛ وفي المقابل، بتّ أعرف أن على كل فلسطيني أن يجد خلاصه الفردي بالحصول على جنسية يكسر فيها أول ما يكسر حدود الحكومات العربية التي أَضرمت رؤوسنا كذباً بأنها مع فلسطين. أما أهل فلسطين ولاجئوها فليس لهم شيء من حقوق البشر العاديين.
لا أبالغ حين أقول إن معظم اللاجئين الفلسطينيين الذين ركبوا البحر، وهاجروا نحو أوروبا، لم ينظروا خلفهم، ولم يأسفوا على شيء، كفلسطينيي سوريا. بعد أن كانوا مواطنين في سوريا من دون انتخاب وترشح، باتوا كأنهم قذارة في بلدان الجوار، من دون أدنى احترام أو أخلاق في التعامل، وحتى بعض المشاكل الداخلية لهذه البلدان حمّلت على ظهور هؤلاء.
أشياء لا يمكن فهمها حقاً. ما الذي يميّز الفلسطيني عن سواه؟ يخافون لغياب وطنه أن يستوطن ديارهم ويأخذ مساحة أمتار من أرضهم... لو أن أحداً يجيب فقط ويكون صادقاً مع نفسه، أنه يرانا شبه قذارة، أو لنا أذناب، أو رائحة نتنة...
لا شيء من هذا فينا. نحن مثل كل البشر. ولكن كل العرب يخافون منا، يخافون من تاريخنا، من الملثم الذي لم يتحمله بعض الحكام فخرجوا بدباباتهم فوق أحلامنا بالحرية.