«عشت حياتي وأنا نفسي أنهي حياتي، الآن سأنهي حياتي هذه آخر أمنياتي». كانت هذه آخر ما كتبه عزمي يونس البريم (32 عاماً)، من خان يونس جنوب قطاع غزة، على صفحته على «فايسبوك»، قبل ساعة من إحراق نفسه على دار بني سهيلا على مدخل بلدته الشرقية لخان يونس.
لم يستطع السائقون المتجمعون على مدخل البلدة منع البريم من إحراق نفسه، فاشتعلت النيران في جسده والتهمت 70% منه خلال دقائق فقط، وذلك قبل تمكن المواطنين من إخماد النار المشتعلة، وفي ما بعد أعلنت وفاته.
يقول ابن عمه أبو محمد البريم (45 عاماً)، إنها لم تكن المرة الأولى التي يحاول فيها البريم إنهاء حياته، مؤكداً أنه «لا يعاني مشكلات نفسية أو انفصاماً في الشخصية كما رُوّج، بل إنها الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصاً أنه أب لطفلين ولا يستطيع تأمين حياة كريمة لهم، كانت دافعه إلى محاولة للانتحار».
قبل يوم من إحراق البريم نفسه، هدد غزّي آخر بقطع شرايين يده والانتحار أمام مدخل الشفاء الطبي وسط مدينة غزة. الموجودون أمام المستشفى استطاعوا منعه من تنفيذه تهديده، وسحب السكين منه. عملية إنقاذ أخرى حدثت مع رزق أبو ستة الذي هدد بإلقاء نفسه من أعلى برج للإرسال في مدينة غزة، بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة وتوقف سلطة رام الله عن تحويل راتبه. لم يستطع المتجمهرون إقناعه للنزول وعدم إلقاء نفسه، إلا بعدما حصل على ضمانات من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعودة راتبه.
وشهد قطاع غزة إقبالاً متزايداً من شبان وشابات على وضع حد لحياتهم، فقد اختلفت طرق الموت ما بين الشنق أو إحراق النفس أو تناول مبيدات حشرية وحتى القفز عن ارتفاع شاهق، كما حدث مع س. غ. (26 عاماً) التي رمت نفسها من الدور السادس في شارع الصناعة في غزة، ما أدى إلى وفاتها في مستشفى الشفاء لاحقاً.
اندفع كثيرون إلى تحميل حكومة غزة أو السلطة المسؤولية عن سوء الأوضاع

يقول المتحدث باسم الشرطة، أيمن البطنيجي، إنه وفقاً للتحقيقات فإن «المشكلات العائلية والفرط في استخدام القوة من بعض الآباء تجاه أبنائهم، هي أحد أسباب إقدام الشباب على الانتحار». ورفض البطنيجي إعطاء إحصائية عن حالات الانتحار «نظراً إلى حساسية الموضوع».
لكن عضو المجلس التشريعي عن حركة «حماس» يحيى موسى، يرى أن «ارتفاع نسبة الانتحار هو من تداعيات الحصار المزدوج المستمر منذ ما يقارب 10 أعوام على أبناء غزة». وقال إن «سلطة عباس جزء من الحصار... يحاول معاقبة خصومه السياسيين به».
ورفض موسى القول إن الفقر أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب إلى الانتحار، مضيفاً: «غزة ليست فقيرة، لكن أموالها تسرق. كما يفتعلون مشكلات تنعكس سلباً على أبناء القطاع، وهنالك مجرمون خلف هذه المشكلات وأيدٍ تتآمر ليل نهار».
في المقابل، حمّل الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مصطفى إبراهيم، حكومة «حماس» المسؤولية الكاملة عن «إقدام الشباب على الانتحار، وتحول الانتحار من خط أحمر إلى أسهل طريقة للتخلص مما يعانيه الشباب من أزمات». وقال إن هذه الظاهرة «أصبحت مستفحلة في القطاع وهي بحاجة إلى حلول حقيقية، لا الى نقاش وصمت يرافقه تبرير حكومي».
كما رأى إبراهيم أن «حكومة حماس تتحمل مسؤولية جزء كبير من حالات الانتحار التي وقعت خلال السنوات الماضية بسبب تقصيرها وتهربها من الاستحقاقات المطلوبة، واستمرارها على حساب الناس وعوزهم بجباية الضرائب وعدم اعترافها بأنها سبب الوضع الكارثي».
على خط وسط، قال أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى فضل أبو هين، إن الشباب المنتحرين كتبوا بدمائهم رسالة مفادها: «افتحوا لنا آفاق المستقبل والحياة وإلا سنغلقها بأيدينا». وأوضح أن «البطالة والفقر هما إحدى ركائز فقدان البشر لأهمية ذواتهم، وهما تشكلان أرضية خصبة للانتحار، بعد أن يصل الشباب إلى مرحلة الإحباط واليأس والاكتئاب»، كما قال إن «كل شرائح المجتمع مسؤولة عن هذه الحالة الصعبة». وأضاف أبو هين: «الوقت ليس في مصلحة المسؤولين حالياً، ومن الخطير أن يصل الشباب إلى اقتناع بأن الحياة لن تمنحهم إلا التعاسة والشقاء وأن الآخرة أهون عليهم من حياة يتحكم بها بشر لا ينفعونهم في شيء».
كذلك لفت الداعية الإسلامي عماد حمتو إلى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي عاشها المنتحرون. وقال: «الانتحار حرام، لكن الظلم حرام. الانتحار حرام، لكن الفساد السياسي حرام. الانتحار حرام، لكن الضريبة أيضاً حرام. علينا ألا نجتزئ النص الشرعي، نحن ضحايا التفكير الخطأ في مصلحة المواطن، ندفع ثمناً باهظاً وغالياً، علينا أن نكون واقعيين ونحن ننظر في قضية النص الشرعي». وأضاف حمتو: «خلف كل قصة انتحار حكاية، الموت رائحته تخرج في كل مكان في غزة، فالمشكلة أن المواطن البسيط لا يعرف كيف يدبر أمور حياته اليومية... لا نبرر هذه العمليات ونبرأ منها، وعند تشخيصنا للأسباب نرفع الصوت عالياً بأن هؤلاء الذين يعلمهم الله هم مسؤولون عما يجري في القطاع من كوارث إنسانية».