تحولت الزيارة الإسرائيلية المرتقبة الشهر المقبل للرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الحدث الأول في إسرائيل حيث تجندت وسائل الإعلام العبرية من للإحاطة بأبعادها. وإذا كانت زيارة رئيس الدولة التي تعد من دون منازع الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل حدثاً مهماً بحد ذاته، فإن استثنائية زيارة أوباما بالنسبة إلى تل أبيب تكمن في أنها تحصل للمرة الأولى على خلفية البرودة والتوتر اللذين طبعا العلاقة بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على امتداد كامل الفترة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي تقريباً.
وبالرغم من المواقف الرسمية الأميركية التي بدت متحفظة إزاء النتائج المحتملة للزيارة على صعيد العملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن معظم المعلقين الإسرائيليين وضعوا مجيء باراك أوباما إلى تل أبيب في خانة الدخول بقوة على خط إحياء المفاوضات على قاعدة أن «لا وجبات مجانية» وأن الرئيس الأميركي لم يكن ليقرر الحضور لإسرائيل إن لم يكن مقتنعاً بأنه سيعود منها بإنجاز سياسي يتعلق بعملية السلام. وعلى هذا الأساس، تحدثت القناة العاشرة الإسرائيلية أمس عن مبادرة سيسعى أوباما إلى تحقيقها، هي عقد اجتماع ثلاثي يضمه إلى كل من نتنياهو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، كإشارة إلى كسر الجمود القائم بينهما.
ومن المعلوم أن علاقات أوباما نتنياهو، على المستويين الشخصي والسياسي، شهدت توترات متراكمة على مدى السنوات الأربع الماضية، وصلت إلى ذروتها قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حين سرّب صحافي أميركي نقلاً عن أوباما قوله إن نتنياهو «جبان سياسي» ولا يعرف مصلحة إسرائيل، فيما عد ردّاً من جانب أوباما على تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركية ودعمه ميت رومني، منافس أوباما. وفي أعقاب انتخابه لولاية ثانية، تحدثت وسائل إعلام أميركية عن أن أوباما يعتزم خفض مستوى تدخله في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني في ضوء يأسه من سياسة نتنياهو عموماً وقراره الأخير ببناء 3 آلاف وحدة استيطانية في E1 قبيل الانتخابات.
إلا أنه يبدو، وفقاً لمعلقين إسرائيليين، أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية دفعت البيت الأبيض إلى إعادة النظر في نهجه هذا، حيث رأى كثيرون في الإدارة الأميركية أن تراجع قوة اليمين لمصلحة أحزاب الوسط يشكل فرصة لائتلاف جديد يمكنه أن يدفع المسيرة السلمية قدماً. وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن وزير الخارجية الأميركي الجديد، جون كيري، أجرى جولة اتصالات مع كل من نتنياهو وعباس أفضت إلى تكون الانطباع لديه بوجود نافذة فرص بإمكان استئناف المفاوضات. وذكرت الصحيفة أن أوباما سمع من نتنياهو خلال الحديث الهاتفي الذي أجراه معه بعد ستة أيام من الانتخابات الإسرائيلية تأكيده التزامه حل الدولتين وأن الحكومة الجديدة التي سيشكلها ستطلق العملية السياسية مجدداً.
إلا أنه بالرغم من ذلك، ثمة حرص لدى كل من واشنطن وتل أبيب على خفض مستوى التوقعات في ما يتعلق بنتائج الزيارة، وخصوصاً في قضية التسوية. وبدا ذلك واضحاً في الإعلان الذي نشره البيت الأبيض عن الزيارة والذي تطرق إلى جدول أعمالها تحت عنوان «بحث المسار الواجب اتباعه بخصوص مواضيع كثيرة ذات اهتمام مشترك، بينها إيران وسوريا». ونقلت صحيفة يديعوت عن مقربين من نتنياهو قولهم إن الزيارة «ستتمحور حول سوريا وإيران، وليس بالضرورة المفاوضات مع الفلسطينيين».
لكن «يديعوت» رصدت ما عدّته مؤشرات على أن نتنياهو في طريقه إلى تجديد المفاوضات مع الفلسطينيين، من جملتها تقرب نتنياهو من رئيسة حزب «الحركة» تسيبي ليفني، وحديث مصادر في الليكود عن احتمال تعيينها وزيرة «العملية السياسية» في الحكومة المقبلة، وكذلك سحب إسحاق مولخو، الذراع اليمنى لنتنياهو من إدارة التفاوض على تشكيل الائتلاف الحكومي في دلالة على تخصيصه لملف التفاوض مع الفلسطينيين خلال الأسابيع المقبلة، علماً بأن مولخو هو الذي أدار هذه المفاوضات في الماضي.
وأياً تكن الحال، فقد أجمعت الصحافة الإسرائيلية على الدور الإيجابي الذي ستؤديه زيارة أوباما في الشأن الفلسطيني، كما في تشكيل الحكومة الإسرائيلية. ورأت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة يديعوت، سيما كدمون، أنه «ليس من باب الصدفة أن يعلن البيت الأبيض الزيارة في منتصف المفاوضات (الداخلية) لتشكيل الحكومة. الإدارة الأميركية تقول (لرئيس حزب «يوجد مستقبل») لبيد ولليفني إن الوقت قد حان للدخول في الحكومة؛ لأن الرئيس جاد وبحاجة إليهما في داخل» الائتلاف الحكومي.
وفي معاريف كتب نداف أيال: «إن توقيت النشر يساعد نتنياهو بالطبع في عملية تشكيل الحكومة. فهو يمارس ضغطاً هائلاً على يئير لبيد، تسيبي لفني، وآخرين للارتباط برئيس الوزراء. فالمسيرة السلمية قد تستأنف. ريح جديدة تهب من واشنطن. وسيكون سهلاً جداً على نتنياهو أن يطلب من شركائه المحتملين الكف عن الانشغال بالصغائر مثل التجنيد للجميع، عندما تكون حاجة بعد لحظة لمواجهة حديث أميركي اسرائيلي على اعلى المستويات، وفي المواضيع الأكثر حرجاً لمصالحنا الاستراتيجية. فضلاً عن المسيرة السياسية، الأمر الذي يوجد في رأس سلم أولويات لبيد ظاهراً».
ولم يُحدد موعد زيارة أوباما بعد، غير أن التقارير الإسرائيلية ترجح أن تحصل بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، مشيرة إلى احتمال أن يكون موعدها في عشرين آذار المقبل.