«الكناري» الصهيوني يطارد مناصري فلسطين في أميركا
وقّع على تلك الرسالة أكثر من 33 شخصاً، بمن فيهم أفراد وجمعياتٍ وهيئات، ونشرت في صحيفة «هارفارد كريمسون» (صحيفة الجامعة الداخلية). يومها نشر موقع «مهمة الكناري» بسرعةٍ فائقة، الملفات الشخصية لأعضاء الهيئة الإدارية للصحيفة (كريمسون)، فضلاً عن كاتبي النص الأصلي والموقّعين عليه. أعاد الموقع، التذكير بدوره الذي كان كثيرون قد نسوه، أو نسوا أنّه لا يزال موجوداً أصلاً.
«مهمة الكناري» موقعٌ إلكتروني أُنشئ «منذ زمنٍ طويل للغاية» بحسب الصحافي الاستقصائي الأميركي جيمس بامفورد، الذي يشير إلى أنّ مهمته «جمع معلوماتٍ وملفات عن الناشطين، الطلاب، الأساتذة، والمنظمات، الذين لديهم مواقف معادية لإسرائيل». يقدّم الموقع معلوماتٍ مفصلةً حول هؤلاء الأشخاص الذين «قد يفاجؤون بأنّ اسمهم قد وضع هناك ضمن ما يشبه القائمة السوداء، ويبدأ الناس بالاتصال بهم بهدف إخافتهم، وإسكاتهم، وبالتأكيد إفهامهم بأنّهم إذا لم يتوقفوا عما يفعلونه، فإنه سيتم التشهير بهم وفضحهم» وفقاً لبامفورد. إذاً هو موقع إخباري هدفه الرئيس قائمٌ على الوشاية والإخبار حول أي شخصٍ، من أي جنسية، دين، أو عرق، يؤيد الحقوق الفلسطينية، طبعاً مع توجيه تهمٍ معلّبة وجاهزة له بأنه «معادٍ للسامية» و«مكذب للمحرقة» و«يريد قتل اليهود» وإلى ما هنالك من تهم مرعبة في الغرب تسبّب الهلع بالنسبة إلى معظم المواطنين الغربيين والمهاجرين العرب. وبحسب موقعهم، تتمثّل «مهمة الكناري» في توثيق أسماء الأفراد والمنظمات التي تروّج لـ «كراهية الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود في حرم جامعات أميركا الشمالية»، لكن هذا التعريف، على ما يبدو، يبقى قاصراً على ما كان الموقع يقوم به قبل أحداث السابع من أكتوبر. يضع الموقع صوراً للأشخاص المذكورين، مع مقاطع من التغريدات أو النصوص التي كتبت على الإنترنت أو أيٍ من مواقع التواصل جرى عبرها «الهجوم المحتمل» على الصهاينة. تضاف إلى هذا كله مواقع وصفحات الشخص المذكور كاملةً. ويحتوي الموقع، للغرابة، على عشرات آلاف الملفات الشخصية لطلابٍ، وناشطين، وصحافيين، وأساتذة جامعيين، يعتقد أصحاب الموقع أنهم «أخطارٌ محتملة على كيان الاحتلال». هنا يلعب مالكو الموقع دور القاضي والجلاد في آنٍ معاً، إذ تكفي تغريدة واحدة كي يجد الشخص نفسه في مكان مماثل عرضةً للملاحقة الأمنية، أو الفردية من أشخاصٍ مهووسين أو مغرّر بهم.
اللافت ما أورده بامفورد بأنَّ الموقع يبعث رسائل إلى أصحاب العمل المحتملين الذين يمكن أن يوظفوا أياً من هؤلاء الأشخاص «المعادين للصهيونية» ويقدّم لهم أدلةً على «ضلوع» هؤلاء الأشخاص في «عداء السامية»، ما يقلّل بنسبٍ كثيرة من توظيفهم. والأهم هو ما أشارت إليه صحيفة «هآرتس» العبرية في مقالة للكاتبة نوا لانداو تشير إلى أنَّ الأمن الصهيوني يمنع كثيرين من دخول كيان الاحتلال استناداً إلى معلوماتٍ يحصل عليها من هذا الموقع. وتشير الكاتبة إلى حجز عدد من المواطنين الأميركيين حال وصولهم إلى كيان الاحتلال، وسؤالهم عن أنشطتهم السياسية تبعاً لمواقفٍ شاركوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.وكان موقع «مهمة الكناري» قد ثبتها وأرشفها، ما يسهّل على الأمن الصهيوني استخدامها. وقد أشارت الصحيفة العبرية إلى أنَّ هناك «وثائق» بحوزتها تثبت استخدام الأمن الصهيوني لهذا الموقع بشكلٍ فعلي وليس مجرّد شائعات.
هنا يأتي السؤال: مَن يقف خلف هذا الموقع، وخصوصاً أنه ليس على صفحته الرئيسية أي إشارة إلى مموليه الرئيسيين. قبل أعوام، نشرت صحيفة «هآرتس» تقريراً مفاده أنَّ الموقع (والمؤسسة خلفه ضمناً) قد تلقيا تمويلاً من مؤسسة «عائلية هيلين ديلر» التابعة لـ «اتحاد الجالية اليهودية في سان فرانسيسكو» (JCFSF)، وأن عمليات هذه المؤسسة كان يرأسها جوناثان باش، وهو ناشط صهيوني بارز، عبر جمعية «ميجاموت شالوم». لكن الجالية اليهودية في سان فرانسيسكو سرعان ما سحبت إعلانها هذا، وأشارت إلى أنّها ستتوقف عن دعم هذه الجمعية. تحقيقٌ آخر أجراه الصحافي الصهيوني جوش ناثان كازيز أشار إلى أنَّ مموّل الموقع هو رجل الأعمال الصهيوني المعروف آدم ميلشتاين، وهو أيضاً ما أكده تحقيق أجرته قناة «الجزيرة» القطرية لاحقاً.