غزة | كشف المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة، عن حجم البؤس الذي يعيشه أكثر من 1.8 مليون فلسطيني، موزّعين على مدارس الإيواء وخيام النزوح في شمال القطاع وجنوبه. ولعلّها هذه هي المرة الأولى التي يرفع الناس فيها أكفّهم بالدعاء، متضرّعين إلى الله بأن يوقف الطلّ، بعد أن عاشوا لياليَ قاسية وسط الخيام الباردة، التي داهمتها الأمطار، وفاضت عليها مياه الصرف الصحي. في شمال القطاع، كانت الأوضاع أخفّ وطأة مما هي في جنوبه، إذ إن أكثر النازحين وجَدوا، بعد الهدوء النسبي في حدّة القصف، وتراجع الدبابات الإسرائيلية إلى أطراف الحواضر العمرانية، مدارس ومستشفيات، وحتى بيوت أقارب وجيران، تؤويهم. أما الكارثة الكبرى، فقد عاشها مئات الآلاف من نازحي مدينة خانيونس، والذين اضطروا لإخلاء المباني والخيام التي كانوا يسكنونها في منطقة المواصي غرب المدينة هرباً من الدبابات المتقدّمة إلى منطقتهم، عشية وصول المنخفض الجوي، من دون أن يتمكّنوا من حمل ملابسهم والخيام التي كانت تؤويهم، وانتشروا في طرقات وساحات مدينة رفح.
ويقول مصطفى الصعيدي، وهو أحد النازحين عن المواصي إلى رفح: «بين السماء والطارق، وتحت المطر الغزير، بتنا ليلتنا الأولى في رفح». ويتابع في حديث إلى «الأخبار»: «وصلت الدبابات في وقت قياسي، وحاصرت مقر الصناعة وجامعة الأقصى. أقام الجنود حواجز، وسُمح للأهالي بالمرور إلى رفح مشياً على الأقدام، وهم يرفعون بطاقاتهم الشخصية. لم تكن هناك فرصة لنحمل معنا حتى الأغطية والملابس، فما بالك بالخيام التي بحاجة إلى سيارات أو أي وسائل نقل؟».
وعن الليلة الأولى في رفح، تقول مريم نبيل لـ«الأخبار»: «تمنّينا 100 مرة أن نموت بالقذائف والصواريخ في شمال غزة، على أن نغادر إلى الجنوب. لقد تجرّعنا ما هو أصعب من الموت. حين وصلنا، قام أهل الخير، بإعطائنا خيامهم التي كانت تؤويهم، وقالوا إنهم سيتدبّرون أمرهم. جلسنا في الخيمة، 30 طفلاً وامرأة. بطبيعة الحال، الرجال الأكثر احتمالاً منّا، بقوا في الشوارع، وتحت أي سقف يمكن أن يحتموا به من المطر. أما نحن، فقد غرقنا. مزاريب المطر لا تقي منها الخيمة، ودفق مياه الصرف الصحي دخل علينا بعدما فاضت عبّارات المجاري. وعلى هذه الحال، أشرقت علينا الشمس. لا نحن قادرون على الخروج فنزيد الرجال همّاً على همهم، ولا نحن قادرون على تحمّل البرد القارس».
في رفح التي تزدحم بأكثر من مليون نازح، تنعدم أي فرصة لتدارك الكارثة، إذ ارتفعت أسعار الخيام، التي وصلت في شكل مساعدات. واضطرّ الأهالي لبيعها في أول الأمر للحصول على مبالغ نقدية يوفّرون بها حاجاتهم من الغذاء، ثم أضحت سلعة يتداولها تجار الحرب، ويرفعون سعرها وفقاً لحال الطقس، ثم فُقدت تماماً. وفي هذا الإطار، تقول أم أحمد شعث، لـ«الأخبار»، إن «منزلنا قُصف، وخرجنا بحثاً عن مركز إيواء، مدرسة أو مؤسسة أو مستشفى. لم نجد موطئ قدم. بحثنا عن خيمة كمساعدة، فلم نجد. حاولنا أن نشتري واحدة، ففوجئنا بأن سعر الخيمة الرديئة، يتجاوز الألف دولار. هكذا انتهى بنا الحال أن وزّعنا أطفالنا وأبناءنا على خيام الأقارب والجيران».
أما إيمان حسن، وهي موظفة في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، وكانت تعمل مديرة لإحدى مدارس شمال غزة، فقد اضطرّت هي الأخرى برفقة عائلتها إلى اللجوء من دير البلح إلى رفح، وبحثت عن شقة سكنية أو مخزن تجاري أو حتى ممر إلى جانب بيت يؤويها مع إخوانها وأخواتها ووالدتها المسنّة، فلم تجد، وتقول: «وجدنا أخيراً حظيرة للدواب. قبِل أصحابها أن يؤجّرونا إياها مقابل 600 دولار شهرياً. عملنا بكدّ طوال أسبوع لتنظيفها، وها نحن نسكنها».
ووسط كل ذلك الضياع، يغيب أي دور فاعل للجهات الحكومية والخيرية، خصوصاً بعدما منعت سلطات الاحتلال دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع. ويقول أحد النشطاء المبادرين في إيواء النازحين: «الكارثة أكبر من طاقتنا. الخيام وصلت إلى الحدود المصرية، وحجم المتطلبات بحاجة إلى تدخل جهات دولية كبرى. أما نحن، فقد استنفدنا كل ما يمكن فعله، إذ لم تبقَ لدينا أموال ولا نايلون أو أخشاب لصناعة الخيام. كل ما يمكن فعله فعلناه».