رام الله | لليوم الثاني على التوالي، واصل جيش الاحتلال، أمس، اقتحامه مدينة طولكرم ومخيّمَيها، طولكرم ونور شمس، دافعاً بمزيد من التعزيزات العسكرية، ومتسبّباً في تدمير هائل في البنية التحتية. ويترافق ذلك مع استمرار دخول الطيران المسيّر مجال العمليات في الضفة الغربية، حيث لم يَعُد يفارق سماء مدنها ومخيّماتها، إذ تناط به أيضاً عمليات الاغتيال على غرار تلك التي وقعت، أول من أمس، في مخيّمَي طولكرم وبلاطة (نابلس). ومنذ عملية «طوفان الأقصى»، أضحت الاجتياحات لمدن الضفة ومخيّماتها، والتي قد تستمرّ لعدّة أيام أحياناً، سِمَة العدوان الإسرائيلي، في ما يشبه إلى حدّ كبير اجتياحات عام 2002، إبّان الانتفاضة الثانية، وتحديداً في مدينتَي جنين وطولكرم ومخيّماتهما، وذلك نظراً إلى حالة المقاومة المتصاعدة فيهما. ويتكبّد العدو خسائر في كل اقتحام واشتباك، وهو ما جرى حين أُعطب عدد من آلياته العسكرية بالعبوات الناسفة، ما اضطرّه إلى الاعتراف بإصابة أحد جنوده بجروح خطيرة.

وبدا المشهد، في ثاني أيام العدوان على طولكرم، أشبه بحالة حربٍ شاملة؛ إذ تحاصر قوات الاحتلال مخيّمَي طولكرم ونور شمس، وأحياء عدّة في المدينة، حيث ينتشر قنّاصتها على أسطح المباني، وتواصل جرافاتها تجريف وتدمير كل ما تقع عليه جنازيرها، فيما تمنع آلياتها العسكرية الفلسطينيين من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الطبية. وفي الوقت نفسه، تتواصل حملة الاعتقالات الواسعة، جنباً إلى جنب الاشتباكات المسلّحة، والتحقيقات الميدانية. وأفاد مواطنون تمّ الإفراج عنهم بعد التحقيق معهم، بأن جنود الاحتلال اعتدوا على عدد كبير منهم بالضرب المبرح والتنكيل والتهديد، بعد احتجازهم لساعات طويلة، ونقلهم من مكان إلى آخر. وبحسب روايات الشهود، مارس هؤلاء أعمال عربدة وسرقة أثناء اقتحام منازل المواطنين بعد تفجير أبوابها وجدرانها الخارجية، ثم سرقة الأموال والمصاغ الذهبي وتفجير عدد منها وإحراقه، بينما ارتفع عدد الشهداء في طولكرم إلى 6، منذ بدء الاجتياح الأخير، 4 منهم استشهدوا في غارة نفّذتها طائرة مسيّرة، وخامس استشهد بإطلاق النار على مركبة كان يستقلّها، وسادس ارتقى أمس، بفعل إصابته بالرصاص الحيّ في صدره.
في غضون ذلك، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة اقتحامات واسعة لمناطق متفرّقة في الضفة الغربية، وفرضت حصاراً على بعضها. وعلى إثر ذلك، أصيب 7 شبان برصاص الاحتلال في مخيم الأمعري (محافظة رام الله)، حيث جرى التحقيق مع المئات من سكان المخيّم الذي فُرِض عليه حصار من كل الاتجاهات، ودوهمت عدّة أحياء فيه، وسط اشتباكات مسلّحة بين جنود العدو والمقاومين. كذلك، اقتحمت قوات الاحتلال، للمرّة الثانية في غضون ساعات، بلدة بني نعيم شرقي الخليل، حيث دفعت بتعزيزات عسكرية، واعتلى قناصتها أسطح المباني وسط البلدة، فيما اندلعت مواجهات بين تلك القوات والشبان. وطالت الاقتحامات أيضاً، مخيم العروب جنوبي الضفة، ومدينتَي قلقيلية ونابلس شماليها. لكن التطوّر اللافت شهدته قرية زواتا غربي نابلس، والتي داهمت القوات الإسرائيلية عدّة أحياء فيها بعد انفجار عبوة ناسفة كبيرة في آلياتها، لتندلع اشتباكات مسلّحة في البلدة، تخلّلها إلقاء عبوات ناسفة محلّية الصنع.
وعلى خطّ موازٍ، تواصل قوات الاحتلال حملة الاعتقالات التي تصاعدت منذ السابع من أكتوبر، إذ اعتقلت 60 فلسطينياً في الضفة والقدس فجر أمس. وفي هذا الإطار، أفادت «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين» بأن «سلطات الاحتلال تستخدم القوّة المفرطة والضرب والتنكيل بحقّ الشبان أثناء عملية اعتقالهم، وترتكب يومياً انتهاكات وأساليب تعذيب بحق الشبان، سواء عند اعتقالهم أو احتجازهم داخل السجون». وكشفت «الهيئة» أن ممثّلة الاحتلال اعترفت في المحكمة، أثناء استجوابها في مدينة الخضيرة، الأربعاء، بحضور طاقم قانوني من «الهيئة»، أنّ (الشهيد) الأسير عبد الرحمن مرعي «تعرّض للضرب المبرح والاعتداء عليه من قِبَل مجموعة كبيرة من السجّانين عقب تشاجره مع أحدهم». وإذ أكّدت أن الفحص الأوّلي من قِبل قيادة المعتقل أظهر «وجود إصابات بليغة في وجهه والقسم العلوي من جسده وبالأخص في البطن، وإحداث خلل في الرئتين»، فهي أشارت إلى أنّ الأسير «نُقل وهو يعاني من نزيف إلى زنزانة انفرادية»، وأنه «حتى يوم استشهاده، لم يقدَّم لعبد الرحمن أيّ علاج، ولم يُفحص طبيّاً مرّة أخرى، رغم علم عيادة المعتقل، بعد الفحص الأوّلي، أن الضرب الذي تعرّض له، تسبّب في خلل في الرئة».