القاهرة | على الرغم من موقف القاهرة الرافض لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، والذي جرى التعبير عنه رسمياً غير مرة، آخرها على لسان وزير الخارجية، سامح شكري، خلال زياراته المتعددة لواشنطن، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، الذي أصدر بياناً يجدّد فيه الموقف نفسه، إلا أن المسؤولين المصريين بدأوا يتحضّرون، بالفعل، لسيناريو كهذا، من دون أن يلغي ذلك جهودهم المستمرة لدرئه. وفي هذا الإطار، يواصل شكري، في الولايات المتحدة، محاولاته لوقف المشروع المذكور، من خلال لقاءات مع مراكز أبحاث وشبكات إعلام أميركية مؤثرة، يبدو أنه يرى فيها الفرصة الأخيرة، إلى درجة دفعته إلى التلويح في مناقشات جانبية بدراسة إنهاء أو تعليق العمل باتفاقية «كامب ديفيد» حال استمرار السياسات الإسرائيلية الحالية، في ما يمثّل ورقة ضغط تظهر للمرة الأولى منذ عقود، من جعبة وفد وزاري مصري رفيع المستوى.مع ذلك، تفيد مصادر مطلعة، «الأخبار»، بأنّه تتم، في مصر حالياً، دراسة آلية للتعامل مع عملية تهجير يسود تقدير بأنها قد «تبدأ بالفعل في الربع الأول من عام 2024»، مشيرة إلى أنّ القاهرة تحرص على عدم تحمّل تبعات هذه العملية «بمفردها»، وتبحث إمكانية استضافة دول عدة للفلسطينيين النازحين، الذين سيُسمح لهم بالخروج من معبر رفح «بشكل رسمي». والحال هذه، وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ مصر ستشترط أن يكون عبور السكان منظّماً، ولأهداف محددة في الخارج، كالدراسة أو الهجرة، وبموجب موافقة مسبقة وتأشيرات تصدر قبل دخولهم البلاد. وإذ يُتوقّع، وفقاً للسيناريو المذكور، أن تستقبل مصر مئات الآلاف من سكان غزة، من مختلف الأعمار، مع عائلاتهم، فسيتمّ وضع معايير عدة للموافقة على دخولهم، على غرار الأوضاع الصحية التي تستدعي العلاج، والدوافع الإنسانية الأخرى، جنباً إلى جنب متابعة تحصيلهم العلمي، شريطة ألا يجري توطين المهاجرين في سيناء، «وأن يتم نشرهم، بدلاً من ذلك، في أماكن أخرى خارجها»، مع استحداث «وضع خاص» لهم. والتغيّر في موقف القاهرة، مدفوع، بحسب المصادر، باقتناع بدأ يتكون لدى الأخيرة، بأنّ إسرائيل ستواصل عملية تدمير قطاع غزة وتجريفه، ثمّ العمل على خنقه اقتصادياً، حتى بعد انتهاء الحرب، وعرقلة جميع محاولات إعادة الإعمار فيه، وحصرها بتقديم بعض المساعدات الإنسانية، ما سيعيق جميع فرص العمل أو سبل الحياة في داخله. ولذا، بدأت مصر تبحث في «حصص» المهاجرين التي ستستقبلها دول عربية أخرى، سواء في الخليج أو شمال أفريقيا، توازياً مع مطالبتها بـ«دعم اقتصادي كبير»، لا فقط من أوروبا والولايات المتحدة، وإنّما من دول الخليج، بالإضافة إلى إمكانية استفادة عدد من الطلاب الفلسطينيين من منح دراسية في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة، ما سيتيح لهم السفر مع عائلاتهم إليها.
التغيّر في موقف القاهرة مدفوع باقتناع أنّ إسرائيل ستواصل تدمير القطاع وخنقه اقتصادياً حتى بعد انتهاء الحرب


يأتي هذا في وقت تصرّ فيه مصر على موقفها الداعي إلى تسهيل إدخال مساعدات تكفي جميع سكان القطاع، وتضغط في اتجاه تسهيل إدخالها، ومنع إسرائيل من عرقلتها، عبر استهداف المناطق المحيطة بالمعبر، وتأخير إجراءات التنسيق المرتبطة بها. بيد أنّ اقتصار هذه المساعدات، حتى الآن، على كميات لا تؤمن احتياجات السكان اليومية، جعل صنّاع السياسة المصريين يتوقعون أنّ الوضع سيزداد صعوبة في الأسابيع المقبلة، ويحاولون استباق «انفجاره» في أي لحظة، ولا سيما مع بداية موجات البرد. ويشمل الحراك السياسي المصري في هذا الاتجاه توجيه تحذير إلى الولايات المتحدة من الضغط الجاري لتسريع وتيرة التهجير، بشكل يهدد أمن مصر، ويخاطر «بتحويل سيناء إلى ساحة لمهاجمة إسرائيل مجدداً» - وفق ما يحاجج به المسؤولون المصريون -، ومطالبات بـ«تنظيم واضح لعملية خروج الوافدين من قطاع غزة، وتأمين دعم مالي كبير لمصر من أجل تحمّل أعباء هؤلاء، مع ضمان استدامة التمويل، وفق محددات وآليات واضحة».
وعلى رغم ذلك، لا تستبعد القاهرة من حساباتها إمكانية توصل المقاومة ودولة الاحتلال إلى اتفاقية هدنة جديدة، تشمل إدخال المزيد من المساعدات مقابل إخلاء سبيل دفعة جديدة من الأسرى، وتعمل، بالتالي، على تجهيز الإغاثة المنوي إدخالها إلى القطاع.