«في صباح السابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، عرفنا من عناوين الأنباء باللغة الإنكليزيّة أنّ أمراً هاماً قد حدث في فلسطين. نظرنا عندها إلى الرسائل الإلكترونيّة والاتّصالات الهاتفيّة والبثّ المباشر من غزّة، فدخلنا في تيّار الأحداث التي ما زلنا نعيشها حتّى الآن. نحن أستاذتان وصديقتان، وقد تعاونّا لسنوات طويلة مع مجموعات عديدة من الشباب التقدميّ في الجامعة وداخل مجتمعاتنا وأحيائنا الكنديّة. إحدانا، روزاليند، أستاذة في مجال الدراسات لأجل العدالة الاجتماعيّة، المرتبط بتراث عريض للسود من أهل الفكر والنشاط السياسيّ، تراث يلتزم بالتطبيق العمليّ لمقاومة الاستعمار. والأخرى، ميشيل، أستاذة في الأدب العربيّ ومتخصّصة في ترجمة روايات النساء من العربيّة إلى الإنكليزيّة. نلتزم بدراسة التضامن بين الشعوب والجماعات وتنشيطه في مجالات شتّى، اجتماعيّة اقتصاديّة فنيّة وأكاديميّة، وتفعيله في حياتنا يوميّاً. نحن امرأتان، سوداء وبيضاء، صديقتان رغم التفاوت بيننا. ونحن جزء لا يتجزّأ من آلاف الناس الذين يعيشون هنا على أرض سُرقت من السكّان الأصليّين، السكّان الذين يقفون اليوم مع فلسطين ومع غزّة. نوجّه أصواتنا إليكم اليوم بالعربيّة لنقول لكم إنّ الكثير من الناس في كندا يقفون إلى جانبكم.
من التظاهرات في كندا

لسنا الحكومة الكنديّة ولا نمثّلها، بل نشعر بغضب واشمئزاز كبيرين من الترويج الذي تقوم به الحكومة لتستقطب مناصرين للكيان الذي يقوم بالإبادة الجماعيّة اليوم في غزّة، ويسعى إلى تدمير فلسطين. يظنّون بهذا أنّهم سيقضون على إرادة ومقاومة الشعب الفلسطيني. الحكومة هنا تقدم الدعم المادّي والعسكري لهذه الحرب على فلسطين. أرباب السياسة والإعلام العام والمؤسسات الحكوميّة في ما يسمّى بِكندا، يصوّرون للعالم أنّنا نحن الكنديّون موافقون على هذه الحرب، لكن هذا كذب وبهتان. الأكثريّة الساحقة من الناس هنا تدعم إيقاف الحرب فوراً، فهُم يرون أناساً مثلهم في غزّة يعانون من الوحشيّة الإسرائيليّة، ويريدون لمعاناتهم أن تنتهي فوراً.
الإعلام في كندا يخضع للرقابة وينشر أخباراً مختصرة عن تظاهراتنا واعتصاماتنا ضدّ الحكومة والكيان الغاصب. في مشاهد الحرب على التلفزيون، تظهر «الضحايا من الجهتين»، وفي المقالات القصيرة التي ينشرونها أخبار عن بعض البلدان العربيّة المجاورة لفلسطين. وفي مدينة مونتريال تحديداً، قلّما يقوم الإعلام العام بتغطية التظاهرات، لذلك فإنّهم لم يعرضوا مشهد المئة يهوديّ ويهوديّة من أميركا الذين جلسوا واعتصموا داخل مبنى الكونغرس الأميركيّ وأقفلوه. كانوا يلبسون القمصان السود وقد كُتب عليها: «لن تفعلوا ذلك باسمنا»، لأنّهم طالبوا بوقف إطلاق النار، ولأنّهم يعتقدون أنّ شعباً لا يستطيع أن يشيّد دولته على حساب شعب آخر. ولأنّهم ذاقوا الإبادة العرقيّة، فإنّهم لا يريدون أن يقوم أحد بإبادة شعب آخر باسمهم. لقد شاهدنا أخيراً أيضاً ازدياداً في عدد الناشطات والناشطين السود والأصليين الشجعان، والكتّاب والكاتبات والسياسيّين ومن عامّة الناس، الذين يتعرّضون لاحتمال خسارة موارد رزقهم ومناصبهم لأنّهم يقفون مع فلسطين. لقد رفعوا أصواتهم رغم القمع ولن يبقوا صامتين.
في 20 تشرين الأول، تحدّى التلاميذ القمع المؤسساتيّ في جامعات عدة في تورونتو، ومنها «جامعة تورونتو» حيث تعمل روزاليند، وخرجوا من صفوفهم وأقاموا تجمّعات داعمة لفلسطين استقطبوا فيها المئات ومشوا في وسط المدينة ليقفوا أمام البرلمان. في اليوم التالي، تجمّع الآلاف من كل الأعمار والخلفيات الاجتماعيّة ليدينوا بشدّة الحكومتين الأميركيّة والكنديّة ويطالبوا بإيقاف الإبادة وكذلك احتلال الأراضي الفلسطينيّة. بعد ذلك، انطلقت مسيرة راديكاليّة لساعات متأخّرة في الليل، رافضة أن تسمح للمدينة بمتابعة سير عملها. بعد ذلك، شهدنا كلّ يوم، مسيرات، وتظاهرات، واعتصامات، يقوم بها الشباب الفلسطينيّ ورفيقاتهم ورفاقهم. وفي 26 تشرين الأول، نظّم المئات من التلاميذ في مقاطعات المدارس الثانويّة في تورونتو اعتصامات أعلنوا فيها دعمهم للشعب الفلسطينيّ وحريّته وطالبوا المدارس بالسماح لهم بالتحدّث داخل صفوفهم عن الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيّون. في مدينة مونتريال، تُقام تظاهرات باستمرار. التلاميذ في ماكغيل حيث تعمل ميشيل، خرجوا من صفوفهم في 25 تشرين الأول ليعتصموا. وكانت التظاهرة التي نظّموها واحدة من مئة مثلها أو أكثر نظّمتها الجامعات والكليّات عبر أميركا وكندا. في مونتريال تحديداً، انطلقت خمس تظاهرات في يوم واحد، وفي الوقت ذاته. في «جامعة ماكغيل»، افتُتحت التظاهرة بلقاء النساء من السكّان الأصليّين، «أمّهات الموهوك» اللواتي كنّ يصارعن للعثور على رفات أولادهن الذين ماتوا في أرضهم المسلوبة خلال الاستعمار. تحدّثت النّساء إلى تلاميذ الجامعة عن تضامنهنّ مع الشعب الفلسطينيّ وصراع الشعبين، الكانيكيهاكا {Kanien›kehá ka} والفلسطينيّ، الواحد لأجل الحريّة والعدالة. تحدوا الجامعة سوياً وطالبوها بقطع علاقاتها مع الدولة الصهيونية والاعتراف بحق السكان الأصليين هنا وفي فلسطين بأرضهم.
يقود الشباب والشابات الحركة المؤيدة لفلسطين في أميركا الشمالية. هي حركة كبيرة وحيوية تضمّ جميع القوى المنخرطة بها. الفلسطينيون هنا أتوا من مجتمعات الشتات المنتشرة في كل أنحاء العالم. هناك أيضاً عرب من معظم البلدان العربية: لبنانيون؛ مصريون؛ جزائريون؛ مغربيون؛ وآخرون. عندما تجوّلنا في الشوارع، فإننا تحدثنا إلى شباب هنود وباكستانيين، تاميل ومن اللاتين، من الفليبين؛ إثيوبيا؛ أوغندا؛ جنوب أفريقيا؛ غانا؛ وآخرين. كذلك رأينا كنديين من خلفيات اجتماعية متعددة: أفارقة؛ آسيويون، أميركا اللاتينية؛ من السود.... وكثيرون. من المهم أيضاً الإشارة إلى أن مشاركة أشخاص من الطائفة اليهودية- خصوصاً الفئات الشابة- في الوقوف ضد الصهيونية هي في ازدياد مستمر. في مونتريال، الكيبكيون ممن هم من خلفيات فرنسية وإثنية وقومية متعددة، بدؤوا برفع الصوت ضد الاحتلال باللغة الفرنسية، والإنكليزية والعربية ولغات أخرى.
نحن أمام حركة يقودها الشباب. نحن معجبون بهم ونتابع وننمّي طاقاتهم الشابة؛ نساعدهم على اكتساب خبرات في التنظيم والعمل الجماعي، وتطوير إمكاناتهم على قيادة الآلاف في الشوارع يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع. هم شباب وشابات جريئون، يقفون بوجه الدولة وتنمر بنيوي مُؤسَّس يسعى دائماً إلى إسكاتهم. هؤلاء شباب وشابات يعرضون لنا وبطرق مختلفة ماذا يعني أن نلتزم بأنفسنا وبقضايا أو مشكلات اللحظة الراهنة. إنهم يستعرضون أمامنا ماذا يعني ــ حسب كلمات القائد المناضل الأميركي من أصول أفريقية مارتن لوثر كينغ جونيور – أن ننغمس كلياً في «أتون اللحظة الملحة للآن». في خطابه الملهم «لديّ حلم»، ركّز كينغ على أن المقصود ليس فقط العيش المشترك والسلام بين الشعوب، بل يجب على الناس أيضاً أن يقاتلوا من أجل ما هو حق لهم عندما يُحرمون من العدالة والكرامة. لا شيء أكثر أهمية من ذلك.
ما نراه اليوم في مدننا المعنية أن هؤلاء الشباب ينظّمون أنفسهم بحيوية في مجموعات وروابط ومنظمات حيث فلسطين هي المدرسة التي تصقل معرفتهم. فلسطين هي شجاعتهم التي لا هوادة فيها. نحن أيضاً نعرف كأساتذة أكاديميين أن فلسطين يجب أن تكون واجبهم المنزلي. فلسطين واجبهم المدرسي. فلسطين زوّادتهم. الدماء التي تجري في عروقهم. يوماً بعد يوم تزداد أعداد الناس التي تتظاهر في شوارع مونتريال وتورونتو حيث نقيم. نرتدي الكوفية لإظهار تضامننا مع أهل فلسطين ومع بعضنا. نتقابل بازدياد وباستمرار، نتبادل مشاعر الودّ والدعم المعنوي ونؤكد على التزامنا بالقضية الفلسطينية متجاوزين تمايزاتنا واختلافاتنا. فور سماعنا هتافات تصدح «من البحر إلى النهر»، تعلو صيحاتنا بصورة عفوية وجماعية: «فلسطين ستكون حرّة».