رام الله | منذ أن أقرّت حكومة الاحتلال السماح للمستوطنين بالعودة إلى المستوطنات المخلاة، وتحديداً «حومش»، ازدادت هجمات هؤلاء على البلدات الفلسطينية القريبة منها وتحديداً برقة، بينما حظيت خطوة بناء المعهد التوراتي على أرض فلسطينية خاصة تبعد عن «حومش» مئات الأمتار، بدعم حكومي كبير من قبل وزير الجيش يوآف غالانت، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وبالتالي، فإن عودة المستوطنين إلى المستوطنات المخلاة وتوسيعهم إياها لن تعترضهما أيّ عوائق، ولا سيّما لما يوفّره وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير وسموتريتش، من مساندة لهم داخل الحكومة. ويدرك الفلسطينيون أن المستوطنين لن يكتفوا بـ«حومش» فقط، بل يضعون نصب أعينهم المستوطنات الثلاث الأخرى المُخلاة، «كاديم» و«سانور» و«غانيم»، والتي كان يقطنها نحو 680 مستوطناً، وتتمتّع بموقع استراتيجي، بإطلالتها على الشارع الرئيسيّ بين جنين ونابلس، وتمركزها وسط بلدات عدّة.وفي الإطار، ذكر موقع «والا» العبري أن جيش الاحتلال يخشى من أن يؤدي نقل «حومش» إلى موقع دائم على «أراضٍ حكومية» إلى إقامة مستوطنات إضافية في الضفة الغربية. وبحسب مصدر أمني، فإن الضوء الأخضر الذي منحه غالانت للمستوطنين قد يُشكّل حافزاً، من بين أمور أخرى، للاستيطان في «سانور». وأفاد المصدر بأن «هذه عملية غير قانونية على الرغم من أنها تحت إشراف المستوى السياسي. كلّ عملية هندسية من هذا القبيل، مثل تسوية المنطقة بأدوات هندسية، وإنشاء الطرق ورفع المقطورات وإنشاء بنية تحتية إضافية، تتطلّب التصاريح»، مضيفاً أن «الوضع الناتج محرج. نحن نضع الجيش الإسرائيلي ووزارة الأمن في أزمة قانونية لأنه من الواضح للجميع أنه لم يتمّ اتّباع إجراءات منظّمة وقانونية، وبالتالي ستصدر أوامر الإخلاء قريباً».
وعلى رغم الانتقادات الدولية للتوسّع الاستيطاني، بدا رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، غير مكترث إرضاءً لأقطاب اليمين، وبالأخص للمواقف الأميركية التي اتّهمت حكومته بنكث وعودها التي أطلقتها خلال اجتماعَي العقبة وشرم الشيخ. وفي السياق، هاجم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، واشنطن، قائلاً لإذاعة جيش الاحتلال، الثلاثاء الماضي: «لا أعرف عن أيّ نكث للعهد يتحدثون (الأميركيين)»، مشيراً إلى أنه «لم يكن هناك أيّ التزام يتعلق بعدم نقل مبنى معهد ديني من مكان معيّن ادّعى الفلسطينيون - ربما بحق - أنه أرض خاصة، إلى أرض أخرى هي أراضي دولة». أمّا النائب في «الكنيست» الإسرائيلي، يتسحاق كروزر، من حزب «عوتسما يهوديت» (القوة اليهودية)، الذي يتزعّمه بن غفير، فوصف نقل المعهد بأنه «يوم عيد»، مستنكراً تنديد واشنطن بالخطوة. وأضاف، في تصريح إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «نحن نحترمها، لكن صديقتنا الحميمة تدخّلت في ما لا يعنيها. فلتلتفت الولايات المتحدة إلى شؤونها الداخلية وتدع إسرائيل لتعالج شؤوننا الداخلية».
تعمل الحكومة اليمينية على سنّ تشريعات جديدة لتعميق سيطرتها على الضفة الغربية المحتلة


وفي موازاة التغوّل الاستيطاني، أفاد تقرير لـ«هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين نفّذوا، خلال شهر أيار الماضي، 492 اعتداءً، تراوحت بين اعتداء مباشر على المواطنين، وتخريب أراضٍ وتجريفها، واقتلاع أشجار، والاستيلاء على ممتلكات، وإغلاقات، وحواجز، وإصابات جسدية. وتركّزت هذه الانتهاكات في محافظات نابلس بواقع 132، تليها محافظة جنين التي سجّلت 69، ثم محافظة طولكرم بتسجيلها 43. أما اعتداءات المستوطنين وحدها، فسجّلت 73 في الشهر نفسه، وتركّزت معظمها في محافظة نابلس بـ 34 اعتداءً.
وعلى رغم اهتمامها بالاستيطان في شمال الضفة، لا يزال جوهر المشروع الاستيطاني لحكومة الاحتلال يتركّز في القدس المحتلة. إذ تكشف القرارات الجديدة لكلّ من الحكومة وبلديتها في القدس، عن مجموعة من المخطّطات والقرارات التي تتجاهل الأحياء والقرى الفلسطينية في المدينة في الخطّة الإسكانية الاستراتيجية لعام 2040، فيما بزعم «المصلحة العامة»، تصادر مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين لمصلحة المستوطنات القريبة. وتشمل هذه المخططات تخصيص ميزانيات التخطيط، والاعتماد على خطوط السكك الحديدية الخفيفة لغرض زيادة نسب البناء في المستوطنات على جانبَي هذه السكة، ومضاعفة الاستيطان في مستوطنات شمال وجنوب القدس، بحسب تقرير لمنظمة «عير عميم» الحقوقية الإسرائيلية. ويهدف ذلك إلى مضاعفة عدد المستوطنين في القدس الشرقية، عبر ربط المستوطنات بعضها ببعض، ولا سيما تلك التي على امتداد الحدود الجنوبية مع بيت لحم وشمالاً مع قلنديا ورام الله، وتشكيل فاصل جغرافي وديموغرافي صلب يحول دون إعادة تقسيم القدس الموحدة. وتقدّر «عير عميم» أن المرحلة المقبلة ستشهد أزمة أكثر خطورة من تلك التي تعيشها القدس الشرقية المحتلّة، مشيرة إلى أن لهذه السياسة غير المنصفة والمحابية للاستيطان على حساب الفلسطينيين، ثمناً باهظاً.
ومن باب بيئي أيضاً، تعمل الحكومة اليمينية على سنّ تشريعات جديدة لتعميق سيطرتها على الضفة الغربية المحتلة. إذ يعتزم وزير المالية سموتريتش، ووزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان، تقديم مشروع قرار إلى الحكومة بشأن معالجة مشكلة إحراق النفايات في 33 موقعاً في الضفة. ويقضي المشروع بتخصيص ميزانية بمبلغ 20 مليون شيكل، لإخلاء نفايات من 25 قرية فلسطينية في أنحاء الضفة ومن مدينة أريحا، وإقامة منشآت لمعالجة النفايات في القرى الفلسطينية والمستوطنات، وبينها منشآت لإعادة تدوير نفايات وإحراقها لإنتاج الكهرباء. وينصّ المقترح أيضاً على إجراء تعديلات في التشريعات العسكرية الإسرائيلية التي تسري على الضفة، وبينها فرض أمر الحفاظ على النظافة بواسطة أوامر عسكرية، ما يسمح بفرض غرامات ومصادرة مركبات لدى وجودها في مواقع تجميع نفايات «غير قانونية».