ولد مؤتمر شرم الشيخ، الأحد الماضي، ميتاً، كما ولد مِن قَبله مؤتمر العقبة في شباط الماضي. ذلك أن المعضلة القائمة بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين باتت أكبر بكثير من قدرة الولايات المتحدة على ضبْطها، أو الحيلولة دون إفضائها إلى تصعيد يُقدَّر أن يكون كبيراً هذا العام مع اقتراب شهر رمضان. مع هذا، تَجهد واشنطن في العمل على منْع التصعيد المرتقَب في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، خصوصاً أن التقديرات لديها ولدى تل أبيب على السواء تتوقّع سيناريوات قاتمة، في ظلّ تعاظُم نفوذ السياسيين الإسرائيليين الفاشيين، والذين يستمرّون في تصعيد استفزازاتهم للفلسطينيين، معزّزين من حافزيّة هؤلاء للمقاومة بما لا يُقاس بالسنوات الماضية. ومن هنا، جاء «شرم الشيخ» كما «العقبة»، في محاولة لمدّ يد العون للاحتلال، واستباق أيّ تدهور أمني يتوقّعه الأخير، ولا يجد لديه ما يمكّنه من الحؤول دونه، بلا أثمان. هنا، يمكن إيراد الملاحظات التالية:أوّلاً، يُعدّ المؤتمران أمنيَّين بامتياز، ولا يحملان أيّ بُعد سياسي، ولا يمثّلان بالتالي، لا في الشكل ولا في المضمون، خرقاً في الأفق المسدود للعملية السياسية والمفاوضات بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
ثانياً: باعت إسرائيل المؤتمرين، وتحديداً السلطة الفلسطينية، وعوداً جوفاء حول العملية الاستيطانية التي لا تنوي ولا تقوى على إيقافها، بفعل مركّباتها الفاشية التي ترى في الاستيطان واحداً من أهمّ أهداف هذه الحكومة. وفي المقابل، ارتضت رام الله بتلك الوعود، ووافقت، تلبيةً لرغبة واشنطن، على إيقاف مسار اعتراضها على التوسّع الاستيطاني لدى المؤسّسات الدولية، والذي كان من شأن بقائه أن يشكّل مصدر حرج للإدارة الأميركية.
ثالثاً: ارتضت السلطة، كذلك، الاستمرار في التزاماتها تجاه الاحتلال بوصفها وكيلاً أمنياً له، لقاء وعدٍ بتجميد قرارات الاقتطاع من أموالها ومصادرتها، من قِبَل إسرائيل.
لا يُنتظر أيّ انكفاء إسرائيلي عن اعتداءات باتت يومية في الأراضي المحتلّة


رابعاً: لم يحصل الطرفان الأردني والمصري، بوصفهما راعيَين شكليَين للمؤتمرَين، على أيّ عائد لمصالحهما، بل إن «الوصاية الأردنية» استُبدل بها، في البيانَين الرسميَين، بناءً على إصرار إسرائيلي، تعبيرٌ مبهَم وعام هو «الوضع الخاص للأردن».
خامساً: تلقّت السلطة، التي أُفرد الحيّز الأكبر من المؤتمرَين للتشديد على ضرورة التزامها بمهامها الأمنية، تعهّدات غامضة بتجميد الاستيطان لمدّة أربعة أشهر، والامتناع عن «شرعنة» البؤر الاستيطانية لستّة أشهر. لكن إسرائيل سارعت على لسان مسؤوليها، ومن بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى التأكيد أنه ليس ثمّة نصّ في مخرجات «شرم الشيخ» يشير إلى وقف الاستيطان في الأراضي المحتلّة.
وفي ردود الفعل الإسرائيلية على المؤتمرَين، يُشار إلى الآتي:
أوّلاً: تعاملت إسرائيل الرسمية، كما إعلامها، مع الحدثَين، بشكل بارد جدّاً، خلافاً لمستوى الاهتمام الذي أظهرتْه بقيّة الأطراف.
ثانياً: واكبت المؤتمرَين وأعقبتْهما مواقف إسرائيلية رافضة لمقرّراتهما وتوصياتهما، وصولاً إلى حدّ اعتبارها مجرّد «حبر على ورق»، والتقليل من تأثيرها على الميدان الذي بلغ الاحتقان فيه مبلغاً لم يَعُد من الممكن معه، بالنسبة إلى الطرفَين، الالتزام بما يتعهّدان به للراعي الأميركي.
ثالثاً: لم تَعُد السلطة الفلسطينية في وارد تلبية ما طُلب منها أميركياً، وتحديداً لناحية «لجْم» المقاومين، لا بسبب فقدانها الإرادة لذلك، بل للضعف الذي يعتريها من جرّاء السياسات الإسرائيلية إزاءها، والذي سيمنعها من أداء مهامها على النحو المطلوب.
رابعاً: لا يُنتظر أيّ انكفاء إسرائيلي عن اعتداءات باتت يومية في الأراضي المحتلّة، وذلك نتيجة عاملَين رئيسَين اثنين: أوّلهما، أن التراخي في القبضة الأمنية والملاحقات والحصار وتدفيع الثمن والانتقام من الفلسطينيين، من شأنه أن يحفّز هؤلاء على تنفيذ مزيد من العمليات الفدائية التي تستهدف جبْي أثمان من الاحتلال لا تقاس بما كانت عليه الحال في السنوات الأخيرة؛ وثانيهما، أن الانقسام الداخلي في إسرائيل لا يردع الاحتلال عن تفعيل السياسات العدوانية ضدّ الفلسطينيين، والتي تُعدّ، بالنسبة إلى الكيان العبري، الطريقة الوحيدة المتبقّية لديه لإدارة الصراع، أو بالأحرى حسْمه، بأقلّ الخسائر الممكنة، على اعتبار أن المعركة باتت، بالنسبة إلى معظم الأطراف والمستويات والاتجاهات السياسية في تل أبيب، صِفرية تماماً، أي: «إمّا نحن وإمّا هم».