شابّ وسيمٌ، جميل الهيئة، رياضي ومثقّف وصلب، يَعرفه أهالي المخيّم، بأطفاله والعجائز اللواتي يُحطنه بدُعائهن دائماً، حتى مِن خَلْف اللثام. هكذا يصف أبو المعتصم، وهو أحد سكّان مخيّم جنين، الشهيد نضال خازم، قائلاً: «في ليالي الاجتياحات المتكرّرة، كان يشقّ صوتُه الرجولي أزيزَ الرصاص الكثيف، وهو ينادي برفاقه مُوجِّهاً ومُحرِّضاً ومُحذِّراً من خطر، ومتقدّماً الصفوف دونما خوفٍ أو وجل». قبْل استشهاده، كان «مقاتل كتيبة جنين العنيد» قد صَنع بشخصيّته نموذج المقاوم الذي يحلم كلّ طفلٍ في جنين، أن يصبح في يومٍ ما مثله. عندما تواصلت معه «الأخبار» لأوّل مرّة للحديث عن ابن عمّه الشهيد رعد خازم، ساهم «ابن عمّ الشهيدَين» في توفير كلّ ما يمكن أن نحتاج إليه من أرقام تواصُل مع ذوي شهداء المخيّم، لكنه اعتذر عن عدم الحديث عن رعد، على رغم امتلاكه قدرة بلاغية لافتة في الحديث، تُعزّزها ثقافة دينية ووطنية مجبولة بفائض من الشهامة والعناد، لم يكن عصيّاً على أحد أن يفهم أنها واحدة من «جينات» العائلة. فهو ابن أخي فتحي خازم والد الشهيدَين عبد الرحمن ورعد، فيما والده أمين، يكفي التتبّع لقدْر فخره بنجله، ودعائه الدائم له في صفحته عبر «فيسبوك» خلال سنتَي المطادرة، لتدرك أنه ليس من أولئك الذين يحيطون أبناءهم بجدار من حرير، خشيةً عليهم من وخزات الحياة، أو حتى من الموت.

ابن الـ28 ربيعاً، هو القائد الأكثر شجاعة وصخباً في «كتيبة جنين». كان قد عَرف طريق السلاح في غُرّة البدايات، منذ عزَم أقرانه جميل العموري ومتين ضبايا وعبدالله الحصري وداوود الزبيدي، على الارتقاء بالمواجهة من السكّين والحجر إلى البندقية. وجد خرّيج قسم هندسة «الميكاترونيك» من جامعة فلسطين التقنية (خضوري) ضالّته، حيث أهّلته ثقافته وشهامته ليشغل منصباً قيادياً في الحالة الجديدة. يَعرفه جنود الاحتلال عن قرب؛ فقد اعتُقل في عام 2017 لمدّة عامَين، تنقّل فيهما بين سجنَي مجدو وجلبوع. وفي الأخير، التقى بقائد عملية الهروب من «نفق الحرية»، محمود العارضة، وعاش معه في قسم واحد، متلقّياً المحاضرات وخائضاً في النقاشات المعمّقة. يقول عبد الرحمن أبو خميس، وهو أحد رفاقه في جلبوع: « خلال عامَين من اعتقاله، كان نضال مثالاً لشخصية الأسير العنيد، هو عصبي وحادّ عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الوطنية، وحدودي إلى آخر مدى. يَنظر إلى الفصائل على أنها وسيلة وليست غاية في ذاتها، ويؤمن أن السلاح فقط، هو البرنامج الوطني المنجَز. يقضي جلّ وقته في العبادة والقراءة وممارسة الرياضة». ويتابع أبو خميس، في حديثه إلى «الأخبار»: «تمتَّع أبو أمين بشخصية قيادية، على رغم حداثة سنّه حين اعتقاله. كان يمكن أن تبصِر في عينه شخصية القائد الصلب. قرأ تاريخ حركات التحرّر الحديثة، وغرق في شخصيات الأبطال. هو وطني جداً، ومتديّن غارق في ذات الله».
في 18 شباط الماضي، سنحت لـ«الأخبار» فرصة الحديث مع «أبو أمين» مجدّداً. يومها، كان خمسة موقوفين جنائيين قد هربوا من سجن جنين الحكومي، وحاولوا الاحتماء في المخيّم لوجود صلة قرابة تربط بعضهم بكوادر في «كتيبة جنين». هذه المرّة، ردّ القائد العنيد سريعاً على استفسارنا عن الحدث: «على راسي خيّو، في بعض الشباب الأعزاء كانوا رح يوقعونا في إشكال مع السلطة حتى يحموا أقرباءهم، إحنا موقفنا واضح، سلاحنا سلاح مقاوم، غير مقبول استخدامه أو الاستظلال تحته بأيّ ذريعة أو علاقة شخصية (...) الأجهزة الأمنية عجزت عن زرْع الفتنة الحزبية في جنين، يجب أن نفوّت الفرصة العشائرية، ولا نعطي لأحد مبرّراً لشقّ الصفّ». وفي حادثة اغتياله رفقةَ القائد «القسّامي» يوسف شريم، ثبّت المقاوم الشرس القِيم نفسها التي دافع عنها خلال سنتَي مطاردته: «الميدان مفتوح للجميع، لا فيتو على أحد».
قضى نضال غيلةً بطلقة مسدّس أصابت رأسه من الخلف، قبل أن يعيد جندي القوّات الخاصة التي اقتحمت جنين أوّل من أمس، التأكّد من مقتله بطلقة أخرى. وفيما تجمّع الآلاف لتشييعه مرهَقين بفاجعة اغتياله، كان وحده مَن أحسن الراحة والبرّ لوالده، الذي كتب وصيّته لابنه عبر صفحته في «فيسبوك» سلفاً: «الموت نقيّاً خير من الحياة مدنّساً».