غزة | بعد اثني عشر شهراً من سماح دولة الاحتلال لِما يزيد عن 15 ألف عامل من غزة، بالحصول على تصاريح للعمل في مدن الداخل المحتلّ، ضاعفت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية من استغلالها لهذه الورقة، وتجاوزت بتطلّعاتها من وراء استثمار هذا الملفّ، مسألة تعقيد قرار توجُّه المقاومة إلى الحرب أو التصعيد على غِرار معركة «سيف القدس» في أيار 2021، بل صارت تَطمح إلى أن تُحقق لها هذه «الجزرة» مزيداً من الانصهار والتواصل بين مجتمع المقاومة في القطاع، وأرباب العمل الإسرائيليين. وتَكشف مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن سلطات العدو أوقفت، أخيراً، استقبال طلبات تصاريح العمل من غزة، كما ضاعفت إصدار قرارات المنع الأمني، ما قلّص أعداد المسموح لهم بدخول الأراضي المحتلّة، من 17 ألف عامل حتى نهاية تشرين الثاني الماضي، إلى 13 ألفاً فقط حتى منتصف كانون الثاني المنصرف.أمّا لماذا أقدمت على ذلك؟ فيجيب المصدر بأن «إسرائيل تريد أن تُخرج امتياز الحصول على تصريح العامل من وزارة العمل التابعة لحركة حماس، إلى شركات تشغيل العمّال، مِن مِثل تلك التي تعمل في الضفة»، موضحةً أن «أرباب العمل وأصحاب المصانع الإسرائيليين سيطلبون، والحال هذه، من مكاتب تشغيل مرخَّصة إسرائيلياً ستفتح أبوابها في غزة في وقت لاحق، أن تُرشّح لهم عمّالاً في مجالات بعينها، ليقوموا هم بانتقائهم من دون أيّ تدخّل من حركة حماس، فيما ترفض الأخيرة والأجهزة الأمنية هذه المساعي». ويحذّر المصدر من أن «استمرار سحْب تراخيص العمل، وإغلاق "السيستم" أمام استقبال طلبات الحصول على التصاريح بالوتيرة نفسها حتى نهاية شهر آذار المقبل، سيعود بملفّ العمّال إلى المربّع الرقم صفر، وسيضع مصائر آلاف الأُسر التي لم تكد تستفيد من هذه النافذة - المسكّرة منذ أكثر من 20 عاماً - حتى أُغلقت في وجهها، في مهبّ الريح».
فتْح المجال لشركات خاصّة سيوسّع هامش التواصل غير المضبوط بين الاحتلال والعديد من طبقات المجتمع


وكانت دولة الاحتلال سمحت، في أيلول 2021، لأكثر من 15 ألف عامل من غزة، بالحصول على تصاريح للعمل في مدن الداخل المحتلّ، فيما تَرهن اليوم تمديد هذه «التسهيلات» باستمرار حالة الهدوء السارية في القطاع، والتي لم تخرقها منذ معركة «سيف القدس»، سوى جولة «وحدة الساحات» في آب الماضي. والجدير بالذكر، هنا، أن الآلية المتّبعة حالياً للحصول على تصريح، تقتضي تقديم العمّال طلباتهم إلكترونياً عبر موقع وزارة العمل التابعة لحركة «حماس» في غزة، والتي تتولّى بدورها ترشيح الأسماء وفق محدّدات مِن مِثل العمر، وعدد أفراد العائلة، والوضع المادّي، ورفْعها إلى وزارة الشؤون المدنية، التي تتولّى بدورها تقديمها إلى الجانب الإسرائيلي، ليقوم الأخير، في وقت لاحق، بإصدار موافقته أو رفْضه، بعد «التشييك الأمني» على المُقدّمين.
على أن ما تَطلبه إسرائيل اليوم، دونه جملة من المحاذير الأمنية، وفق ما تؤكّده مصادر أمنية لـ«الأخبار»، موضحةً أن «فتْح المجال لشركات العمل سيوسّع هامش التواصل غير المضبوط بين الاحتلال والعديد من طبقات المجتمع، كما سيحرم الأجهزة الأمنية امتياز المتابعة الأمنية الحثيثة للعمّال الذين يَخرجون من القطاع»، مضيفةً أن «خروج الملفّ من أيدي الجهات الرسمية، سيشرّع الباب أمام مزيد من الفساد والمحسوبية والرشاوى في هذا الملفّ، وسيحرم الفئات الأكثر فقراً وحاجة من الحصول على فرص متكافئة». في المقابل، تتذرّع تل أبيب بجملة من الحجج لتبرير رغبتها، من بينها تحويل الصفة الرسمية للعمّال من «تصريح حاجات اقتصادية» إلى «تصريح عامل» لديه كامل الحقوق والتعويضات إذا ما تعرّض للأذى، وهو ما يخدم بالنتيجة سياسة الانتقائية المتّبعة من قِبَل الاحتلال.